لا يمكن تدوين التاريخ بوجهه السياسي فقط، ولا يمكن لأي مؤرخ أن يتفوّق في كتابة التاريخ على الأدباء مثلاً، أو على صنّاع السينما الذين يقدمون أرشفة ولو غير مقصودة لحقبة كاملة من الزمن بأفكارها وأزيائها وموسيقاها وكل ما يشكّل حضارتها. لذلك، يعدّ La Châtelaine du Liban الذي قدمه المخرج الفرنسي جان ابشتاين عام 1934 كنزاً تراثياً عرفت السلطات الفرنسية أهميته، فقررت ترميمه واعتباره جزءاً من المحفوظات الوطنية التابعة لوزارة الثقافة.
الشريط الذي سيُعرض في بيروت خلال احتفال البعثة الثقافية الفرنسية بتجديد صالة «مونتاني»، يشكّل تحفة تاريخية قبل أن يكون تحفة فنية. هو صوِّر أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، ويعكس النظرة الأوروبية الى الشرق بكل ما كان يشكله من سحر وغموض، لا سيما أنّ السحر نفسه هو الذي يسيطر على العمل الذي بني على رواية الكاتب الفرنسي بيار بونوا عام 1924 وعرفت روايته حينها نجاحاً باهراً، فانتقلت إلى الشاشة الكبيرة عام 1926 مع فيلم صامت بتوقيع ماركو دو غاستين قبل أن يقدم ابشتاين شريطه، ثم أعيد إحياء العمل مع تعديل قصته عام 1956 ضمن إنتاج إيطالي فني مشترك شارك فيه عمر الشريف. يتحدث الشريط عن النقيب لوسيان دوميفر (جان مورا) لذي يخدم في بلاد الشام الواقعة تحت الانتداب الفرنسي.

يصاب في معركة ضد القبائل البدوية لينتقل إلى العلاج في «مستشفى سان شارل» في بيروت حيث يقع في حب الممرضة ميشيل (ميشيل فيرلي) ابنة العقيد هانوكان (اندريه مارناي) ويخطبها. غير أن تعرّفه إلى أرملة أحد الديبلوماسيين الروس الكونتيسة اورلوف (سبينيللي) يقلب الأمور، لاسيما بعد أن يختبر الضابط المعتاد على الحياة القاسية في الصحراء حياة الرفاهية التي يعيشها «المنتدبون» في أماكن سيطرتهم، فيصبح مستعداً لأن يضحي بكلّ شيء من أجل حبه الجديد.
نجدنا أمام تصوير يوتوبي للحياة في لبنان حيث يعيش أهله ثقافة كوسموبوليتية تشبه كثيراً الصورة التي يحبّ اللبنانيون تسويقها عن أنفسهم. صورة يتواطأ المخرج والكاتب على تقديمها وإسقاط تصوراتهما عن الشرق، وهي صورة تختلف عن تلك التي حاولت الدعاية السياسية الفرنسية تعميمها حول الشرق «المتخلف». لهذا، ينقل العمل صورة صادقة عن تركيبة الثقافية والاجتماعية التي تحدّت الصورة النمطية التي حاول الانتداب تسويقها تحت عنوان «نحن نجعلكم متحضرين».



«سيدة القصر اللبناني»: 20:00 مساء الجمعة 20 أيلول (سبتمبر) ــــ «صالة مونتاني» (طريق الشام، بيروت)