زارت «الأخبار» النجمة شكران مرتجى في أحد مواقع تصوير مسلسل «زوال» في حي المهاجرين الدمشقي، قبل أيّام قليلة من استكمال مشاهدها الأخيرة في العمل، الذي تنتجه مؤسسة «سيريان» لموسم دراما رمضان 2016 (إخراج أحمد إبراهيم أحمد، عن نص كتبه الممثل يحيى بيازي بالشراكة مع الكاتب زكي مارديني).تجسد شكران في المسلسل شخصية «أم معروف»، ولعائلتها قصّة خاصّة في الحي (الأخبار 26/1/2016)، فزوجها «أبو معروف» (النجم باسم ياخور) رجل مهووس بالسعي وراء الذهب عن طريق الشعوذة، ما يؤثر في استقرار حياتها الزوجية، بخاصّة أنّه «نزق، ويصح فيه وصف الفاجر، إذ يعنّفها بأبشع الألفاظ، لكنها تحتمله، وتحتوي المواقف الصعبة التي تتعرض لها من أجل أولادها، إلى أن تحّل كارثة بعائلتها، تدفعها إلى ردّة فعل عنيفة تجاه الزوج، ثم تلوذ بالصمت، تتوحد مع حزنها، وتغيّبُ نفسها في الحياة، وتصبح بكامل إرادتها ووعيها كميّتة تمشي على رجليها».
تؤكد مرتجى لـ «الأخبار» أنّ «الكاتبين صاغا ملامح الشخصية، وأبعادها النفسية بشكلٍ متقنٍ على الورق، وتطابقت وجهة نظري مع المخرج حول مستويات أدائها، بعيداً عن الصورة النمطية للمرأة المعنّفة المكسورة، فهي لا تستكين لواقعها، وتمر في تحولاتٍ حاسمة، تبدّل تركيبتها جذرياً». وبعيداً عن طبيعة المشاهد المتوترة التي تجمع بينهما في «زوال»؛ يسود الود بين باسم وشكران في الكواليس، حيث عادا للاجتماع أمام كاميرا واحدة في دمشق، بعد مشاركتهما معاً في برنامج «ديو المشاهير».
صداقةٌ قديمة تجمع بين النجمين تعود إلى 27 سنة، أي إلى أيّام الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية. تبتسم شكران وهي تتحدث عما وصفته بـ «التاريخ المشترك» بينهما. تضيف: «حين سبقني في الخروج من منافسات «ديو المشاهير»، أحسست بأنني فقدت السند وبكيت. وعندما أتى لتشجيعي بعد خروجه، عَنَى لي ذلك الكثير، وكذلك حضوره في الحلقة الأخيرة. باسم نجم كبير، وأعرف تماماً أنّه شهم، ويفوق دوماً توقعاتي بشهامته».
يشارك النجمان أيضاً هذا الموسم في مسلسل «خاتون» (إخراج تامر إسحاق، عن قصّة لطلال مارديني، أعدّها وعالجها درامياً سيف رضا حامد، وإنتاج شركة «غولدن لاين»)، لكن لن تكون هناك مشاهد تجمع بينهما، فشريك «الداية أم جبري» التي تلعب دورها شكران في المسلسل، هو صديقها الآخر في الوسط الفني النجم أيمن رضا الذي يؤدي دور حلاق الحارة. ورغم أنّ «الداية» من الشخصيات الثابتة في أي عملٍ شامي، إلا أنّ المشاهدين سيدخلون بيتها للمرة الأولى، ويتعرّفون إلى السر الذي تخفيه عن حارتها، فابنتها «خديجة» (جيانا جورج عنيد) صلعاء، ما يُعّرضُ «أم جبري» لابتزاز «نعمت» (سلافة معمار) عندما تكتشف سرّها.
حيوية حضور شكران مرتجى، وصراحتها المعهودة، دفعتانا إلى عدم الاكتفاء بلقاء سريع حول أدوارها لموسم دراما 2016. ثمّة أسئلة كثيرة خطرت في بالنا لم تتردد في الإجابة عنها، بدأناها بالسؤال بعد تكرارها لوصف صديق، عما إذا كان هناك من صداقة حقيقية في الوسط الفني؟ تجيب: «ربما الأفضل أن أقول زمالة، وبهذا المعيار، هناك زملاء أقرب إليّ من غيرهم. وإذا طلبتهم، أجدهم، منهم بالتأكيد سلاف فواخرجي، باسم ياخور، أيمن رضا، ديمة الجندي، ديمة قندلفت. كان لديّ أصدقاء كثر في صغري، ولطالما قالت لي أمّي إذا بقي لك واحد منهم، فهذا فضل كبير. وتأكدت لاحقاً أن كلامها حقيقي جداً، فتلك على ما يبدو ضريبة النجاح، واكتشفت أخيراً لماذا يبدو جيل الفنّانين الكبار صموتاً، وبعيداً عن الحياة الاجتماعية». هل هناك موقف معين تعرضتِ له وغيّر من قناعاتك؟ تجيب: «يقول المقربّون منّي إنني تغيرت كثيراً، لكنني حقيقةً تأخرت بأن أسمع أكثر مما أتكلم. مجموعة مواقف وتراكمات أفضت بي إلى ذلك. بداخلي خيبة أمل وحزن كبيران، وذلك لن يكسرني بل يحرّضني على أكون أكثر نجاحاً، ما يهمني الآن عملي، والناس الذين يحبونني، وهم كثر جداً والحمد لله». هل يندرج ضمن هذه التغييرات إعلانك قبل فترة أنّ زمن التنازلات قد ولّى بالنسبة إليك؟! وعن أي تنازلات تتحدثين؟ «نوعية الأدوار التي أؤديها، والأجر، وموقع اسمي في تتر العمل.
تجسد المرأة المعنفة في «زوال»، والداية في «خاتون»
أنا أعرف مكانة الآخرين جيدّاً وأحترمها، وأحب أن يحترم الآخرون مكاني، ويقدّرونه جيداً، ولا أطلب تحقيق ذلك على حساب أحد. فقط أطلب نيلَ المكانة التي أستحقّها. فاليوم بات الصالح يختلط بالطالح، وبدت هذه المسألة بمثابة العدوى تنتشر بين الفنانين للأسف. لذلك أصبحنا نتنبه إلى هذه الأمور، ونشترط وضوحها منذ البداية». أيمكن اعتبار ذلك السبب وراء رفضك المشاركة في «بقعة ضوء 12»؟ «لم يحدث اتفاق بيني وبين الشركة المنتجة هذا الموسم. ففي الأعمال الكوميدية خاصّة، لدي شروط لا أتنازل عنها، مع أنني أعتبر «بقعة ضوء» مشروعي الذي أحلّق فيه، لكنني لم أعد أقبل بأن يكون تعلقي بهذا المشروع على حسابي، بطريقة أو بأخرى». يبدو عتبك كبيراً على شركات الإنتاج السورية، وأصبحت تنتقدين سلوكياتها في التعامل مع الفنّانين والفنين بشكلٍ مكثف عبر فايسبوك، هل بات الوضع سيئاً إلى هذه الدرجة؟ «هذا الملف يجب أن تتناوله الصحافة بشكلٍ علني وواضح، سواء على مستوى الأجور، أو أصول التعاقد والتعامل من كل الأطراف. علماً بأن الانتقادات التي أكتبها تحزنني، إذ أبدو باعتباري بنت هذا الوسط كمن يرشق نفسه بالحجارة، لكن ما يحدث معيب ومحزن. فتقاليد المهنة تندثر بشكلٍ يؤثر في استمراريتها، العتب ليس باسمي فقط، وإنما يشاركني فيه زملاء آخرون اختاروا الصمت، رغم كونهم يعانون المشاكل ذاتها، وعتبي يطال أصولاً وأخلاقيات تعرضت لانتهاكاتٍ متزايدة أخيراً، ربما بسبب الحرب، وأجد من الصعب جداً بالنسبة إليّ ــ مقارنةً بما قدّمته خلال مسيرتي المهنية ــ أنني لست متأكدة إذا كنت في مكاني الصحيح أم لا؟! ومع ذلك، أعتبر نفسي أفضل حالاً من غيري، لكننا جميعاً خاسرون في النهاية وسط هذه المعمعة».
على سيرة الانتقادات، هناكَ أصوات من الوسط الفني أيضاً انتقدت مشاركتك في برنامج «ديو المشاهير»، إلى أي حد أزعجك ذلك؟ «أزعجني تجريح بعض الزملاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فمن المعروف عني المبادرة إلى تقديم الدعم للجميع، وكانت مشاركتي في البرنامج فرصة لأن أكتشف مكانتي عند الجميع، لكن في العموم، كان من شجعنّي ودعمني أكثر بكثير ممن انتقدني». ما الذي حققته عبر المشاركة في هذا البرنامج؟ «هذه التجربة تشبهني، وحاولت من خلالها إظهار أكثر من جانب لشكران الممثلة، الإنسانة، والأنثى، وإذا عرضت عليّ مرّة أخرى سأكررها، بكل متاعبها، على مدى أربعة أشهر من السفر، والتحضيرات، وضغط العمل، ورهبة المسرح. كما أنّها أشبعت شغفاً بالغناء لازمني منذ الطفولة. هذا العالم كان بمثابة الحلم بالنسبة إليّ، جربّت واكتشفت أنّ خياري كممثلة هو الأفضل، ما يعني بأنني لن أمضي بعيداً في خيار الغناء. بالعكس أصبحت أخجل من الدندنة بصوت عالٍ، كي لا يقال إنني استعرض، أو ما زالت أعيش الحالة». بدا ملفتاً أيضاً تركيزك على إطلالاتك في «ديو المشاهير» عبر نشر الصور أولاً بأوّل على الفايسبوك الخاص بك، هل هذا كان مقصوداً أيضاً؟ «نعم، كنت أريد أن يراني الناس بصورة مختلفة، فالأدوار التي أديتها كممثلة لم تتح لي ذلك إلا نادراً، كما في «على حافّة الهاوية» (2007)، و«الصندوق الأسود» (2010). معظم أدواري أتت ضمن إطار الكاراكتير أو الشخصية المهمشة. وكنت أعوّض عن ذلك بحياتي اليومية والمناسبات الخاصّة. وبعد الحرب عموماً، قلّ اهتمامي بذلك. كما اعتبرت هذا البرنامج مناسبة مهمّة أمثّل فيها المرأة السورية الأنيقة والمحتشمة، وفقاً لقناعاتي بطبيعة الحال، وبحسب ما أرى أنّه يليق لي، وأحببت هذه الحالة».
بعيداً عن الفن، وشجونه، وخيباته، وقبل استدعائها لأداء المشهد التالي في «زوال»، تحرص شكران مختتمه حديثها لـ «الأخبار» على ربط هذا الحديث، بتاريخٍ تعتبره مهماً على روزنامة المأساة السوريّة، وهو يوم 27 شباط (فبراير) 2016، تاريخ الإعلان عن بدء سريان قرار وقف العمليات القتالية في سوريا، وإن كان لفترة مؤقتة، وتعتبره يوماً هامّاً في حياتها. وأعربت عن أملها بأن يكون بداية نهاية الألم، فالمهم بالنسبة إليها أن يحلّ الأمان على هذه البلاد وأهلها «وبعده كل شي ممكن يتصّلح».