هل هناك ما هو أبغض من الظلم والاستغلال والاحتلال؟ نعم هناك آفة واحدة، على الأقلّ، يمكن أن تفتك، تحديداً، بضحيّة الظلم والاستغلال والاحتلال: ألا وهي العنصريّة. العنصريّة المقيتة حين تصبح «سلاح الفقير» وملاذه الأخير، تزداد خطورتها، إذ تكون من سمات الافلاس الحضاري والأخلاقي، ومن علامات الهزيمة والانحطاط واليأس الأعمى والعجز المزمن والنزعة الانتحاريّة، لدى الجماعات المسحوقة. ما أبشع الضحيّة حين تروح تشبه جلّادها، وتعيد انتاج الظلم الذي تعاني منه بأشكال أكثر بؤساً.
صاحب القضيّة العادلة لا يمكنه أن يكون عنصريّاً، لأنّه يعرف اللحمة الأمميّة، العابرة للجغرافيا والبيولوجيا، بين المدافعين عن الحقّ، أيّاً كان عرقهم ولونهم وفئة دمهم ودينهم ولغتهم وجنسيّتهم وأفكارهم. لا يمكنك أن تكون عنصريّاً، وقد اختبرت كل أشكال التمييز والظلم. إذا كنت تعرف رابط الأخوّة العظيم بين مضطهدي الأرض… إذا كنت ضحيّة الصهيونيّة التي كانت حتّى الأمس القريب، في ناموس الأمم، عنصريّة… إذا كنت تطالب بالعدالة والحريّة والحقّ… إذا كنت تقاتل الكاوبوي الذي ارتكب مجازره وجرائمه باسم «تحضير» الهنديّ الأحمر والزنجيّ الأسود، فكيف تكون عنصريّاً! لا يمكنك أن تقرأ إيميه سيزير وفرانتز فانون وليوبولد سنغور وسعدي يوسف… وأنت عنصري. جان جينيه صاحب «الزنوج» كان يقول إنّه أسود من الداخل. العرب هم «ملعونو الأرض»، و«الزنوجة» جزء من مكوّناتهم الحضاريّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاثنيّة، فكيف يمكن أن يكون أحد كبار شعرائهم عنصريّاً في العمق؟
نحن واثقون من أن الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف يؤمن بهذا الكلام. بل إنّنا ارتشفنا تلك القيم التي هي من ثوابت جريدة «الأخبار»، من جملة ما ارتشفنا، من معين «الشيوعي الأخير». لذلك فإن سوء التفاهم الذي أثارته مقالته «العبيد أكثر ضرواة من الأسياد» (١٢/ ٩/ ٢٠١٣) يجب أن يبدّد على الفور. تلك المقالة، على تسرّعها واختزاليّتها ينبغي أن تؤخذ في سياق التضخيم والكاريكاتور، والشيء الذي يراد به ضدّه، وإن لم يبلغ النصّ غايته، بدليل الاعتراضات الكثيرة عليه من عشّاق سعدي وقرّاء «الأخبار». الوصاية الأميركيّة على شعوبنا هي امتداد لهيمنة «الرجل الأبيض»، وهذا وارد في نصّ سعدي الاشكالي إذ يميّز بين الأبيض المستعمِر (بكسر الميم) والعربي المستعمَر (بفتحها). الحملات الاستعماريّة يقودها «رجل أبيض» اسمه باراك أوباما. ألم يكتب سعدي في «الأخبار» قبل أسبوع (٤/ ٩/ ٢٠١٣)، أن أوباما هو «الرئيس الأميركي الأشدّ بياضاً»؟
شكراً لكل القرّاء الذين لفتوا نظرنا إلى هذه الزلّة، وعذراً على سوء التفاهم. شكراً للاصدقاء وحتّى الخصوم الذين يحترمون «الأخبار» في خلافهم معها، إذ هالهم أن يقرأوا كلاماً يحتمل تأويلاً عنصرياً فوق صفحاتنا. صفحات «ثقافة وناس» تحديداً اشتغلت على نبذ كل أشكال العنصريّة والطائفيّة واللاساميّة والذكوريّة ورهاب المثليّة إلخ. النقد مهما قسا، شهادة تقدير لمشروع «الأخبار». وتحيّة تقدير، مشفوعة بلوم المحبّين، إلى الشاعر العراقي الذي وقف ضد الغزو الأميركي، وتوابعه المذهبيّة والتكفيريّة، وحافظ في الأيّام العصيبة على نقائه، وبقي وفيّاً لتاريخه الفكري والسياسي والأخلاقي.


يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@