في أوروبا، هناك ثلاث مدارس كبيرة في العزف على البيانو. إنّها الأكبر في العالم أيضاً، نظراً إلى غياب أي منافسة من خارج القارة العجوز. هذه المدارس هي الجرمانية والروسية والفرنسية. لكلٍ منها خصائص وممثلون حاليون ومعلّمون
راحلون. لكلٍ منها إذاً تاريخ وحاضر. بدعوة من «المعهد الفرنسي في لبنان»، يزورنا غداً إيريك لوساج (1964)، أحد أبرز ممثلي المدرسة الفرنسية في العزف على البيانو اليوم... مدرسةٌ طبع مناهجها وزاد من إرثها كبار أمثال المعلّمَيْن فرنسيس بلانتيه وألفرد كورتو والأسطورة ساسون فرانسوا والعميد ألدو شيكوليني وغيرهم. في البداية، لا بدّ من التنويه بأمريْن، أولهما ثقافي وهو تنظيم المعهد المذكور لأمسية من هذا العيار، من خارج جدول الحفلات الكلاسيكية المهمّة المحصورة بالمهرجانات اللبنانية الكبيرة (نكاد نقول سابقاً، بسبب تراجع مستوى برمجة هذا النمط في السنوات الأخيرة). بالفعل، تمثل أمسية لوساج مفاجأةً سارّة، لقيمتها أولاً ولندرة أمسيات كهذه ثانياً. التنويه الثاني يذهب للوساج نفسه. الجرأة المطلوبة من الغربيّين (والفنانين الكبار تحديداً) لا يجب أن تتخطى الحدّ المنطقي، بالتالي تشكّل زيارة هذا الموسيقي إلى لبنان رسالةً لرئيسه أولاً: هولاند يلهث لتوجيه سلاحه نحونا، وبهذا لا يستشير فنانين من بلده بالتأكيد، لكن لوساج قرَّر أيضاً ألا يستشيره في خطوته لنقل الحضارية قبل أن نقول فنية أو ثقافية.
لإيريك لوساج علاقة قديمة بلبنان، ولـ«مهرجان البستان» الشتوي الفضل في ذلك. العازف الفرنسي سبق أن دُعِيَ مرتيْن إلى «البستان» خلال دورتَيْ 1997 و2010. أمّا اليوم، فيزور بيروت لمناسبتيْن، الأولى، ذكرى 20 عاماً على معاهدة الصداقة بين مدينتي بيروت وباريس، والثانية هي الذكرى الخمسون لرحيل فرنسيس بولانك (1899 – 1963)، المؤلف الفرنسي الذي يُعتبَر لوساج أهمّ المدافعين عن أعماله، وتحديداً أعمال البيانو المنفرد التي أنجز تسجيلاً مرجعياً لها.
فرنسيس بولانك مؤلف كبير. ترك أعمالاً كثيرة، للبيانو وغيره من الأشكال (أوبرا، موسيقى باليه، كونشرتوهات، موسيقى حُجرة، أغانٍ...). لكن ما كتبه للبيانو ليس أشهر ما يعرفه الوسط الموسيقي له. هذا من جهة. من جهة ثانية، لوساج خبيرٌ ببولانك، لكن ريبرتواره يتخطى ريبرتوار الأخير، أو حتى الريبرتوار الفرنسي العام، ويطال أولاً المؤلف الألماني روبرت شومان، وبعده الكثير من المؤلفين من القرنين التاسع عشر والعشرين. لذا، ولحسن الحظ، فالأمسية التي سيقدمها غداً في «قاعة بيار أبو خاطر» (جامعة القديس يوسف – طريق الشام)، لن تُقتَصَر على بولانك، وإلا اعتُبِرَت موعداً خاصاً جداً، يتوجّه إلى شريحة ضيّقة من محبّي الموسيقى أو حتى الباحثين. لكن لوساج سيحيي ذكرى مواطنه من خلال إدراج مقطوعاتٍ له في البرنامج، وفي الوقت عينه سيعطي محبي الأعمال الكبيرة حقهم في الاستماع إلى أدائه لأعمال لشومان طبعاً، بالإضافة إلى بيتهوفن وأيضاً هنري دوتيّو، مواطنه الآخر الذي تركنا في أيار (مايو) الماضي بعدما عاش ما يقارب قرناً كاملاً (97 سنة)، تاركاً أعمالاً حديثة ومعاصرة.
أخيراً، إن كانت أمسية إيريك لوساج تجمع أربعة مؤلفين، فريبرتواره المسجَّل أوسع من ذلك بكثير. هو فنّان غزير، منهجي هنا، ومزاجي هناك. سجَّل «كل شومان» (أعمال البيانو وتلك التي يدخل البيانو في تركيبتها) وكذلك بولانك، ومرّ سريعاً على غيرهما، لكنه خدَم مؤلفي بلده، فلم يهمِّش تقريباً أياً منهم وربطته علاقة صادقة وشراكة فنية بعازف الفلوت السويسري الشهير إيمانويل باهود (زار معه لبنان سابقاً) فأنجزا معاً ساعات من تسجيل ثنائيات الفلوت والبيانو أو أعمالٍ منقولة للآلتيْن من تركيبات أخرى، أبرزها لبيتهوفن وفيبير وشوبرت والمؤلفين الفرنسيين بطبيعة الحال.



إيريك لوساج: 20:00 مساء 13 أيلول (سبتمبر) ـــ «قاعة بيار أبو خاطر» ((جامعة القديس يوسف – طريق الشام، بيروت) ــ للاستعلام: 01/421000