القاهرة | رغم تراجع لهجة تهديدات باراك أوباما، والاكتفاء بالتلويح بـ «ضربة محدودة» ضد سوريا، فإنّ شبح الحرب الإقليمية لا يزال يلوح في الأفق. من جهتهم، أعلن المثقفون والفنانون السوريون المقيمون في القاهرة على اختلاف توجهاتهم السياسية، رفضهم لأي عدوان غربي على بلادهم، مؤكدين أنّ التدخل العسكري لا يخدم إلا مصالح الغرب الرافض لثورة الشعب وتطلّعاته. إلا أنهم أشاروا إلى حالة الانقسام السائدة في الجالية السورية في المحروسة حول «الضربة» وجدواها وأهميتها وأضرارها.
ونتيجة لفقدان الثقة بالإعلام والفضائيات، لم يعد أمام السوري اللاجئ سوى أصدقائه على الفايسبوك وتويتر ليتابع أخبار الوطن المكلوم. يرفض السينمائي هفال قاسو في حديث مع «الأخبار»، توجيه أي ضربة غربية أو خارجية على بلاده، مؤكداً أنّ العدوان سيخلّف آثاراً تعانيها سوريا طوال عقدين على الأقل، منها زيادة الديون الخارجية نتيجة ارتفاع كلفة فواتير الحرب، وتفاقم الحرب الأهلية وتأجيجها، وزيادة قوة خلايا تنظيم «القاعدة» التي دعمها الغرب بهدف تفتيت الوحدة السورية، والالتفاف على مطالب الشعب. وأشار قاسو إلى أنّ الجالية السورية كالسوريين في الداخل منقسمة حول «الضربة»، إلا أنّه أكّد أنّ ذريعة استخدام الكيميائي تقف وراءها المعارضة المسلحة لجرّ البلاد نحو العدوان الخارجي، وأنّ «قرار تنحّي بشار الأسد قبل توجيه الضربة يعني انتشار التيارات المسلحة». وأشار إلى أنّه يتابع أخبار بلاده عبر القنوات والصحف الأجنبية الناطقة بالعربية بعدما فقد الثقة في مختلف الفضائيات العربية. كذلك، يرفض المخرج السوري نضال الدبس توجيه أي عدوان على بلاده، مشيراً إلى أنّ قبول العدوان يعني إضعاف البلاد وإخراجها من أي معادلة إقليمية، وخلق أنظمة ضعيفة يستطيع الغرب وأميركا السيطرة عليها. يشدّد صاحب «تحت السقف» على أنّ الثورة التي يحلم بها السوريون ويتطلعون عبرها إلى حياة أفضل، لا يمكن أن تسلَّم لقيادات الناتو سواء أوباما أو أردوغان، ممن يسعون فقط إلى تنفيذ مصالحهم الاستعمارية. ويتابع: «كفانا تدخلات خارجية، فالجميع يتدخل في الشأن السوري، بدءاً من التيارات الجهادية والدينية العائدة من أفغانستان والشيشان، وتنظيمات «القاعدة»، وصولاً إلى دول الخليج التي أدت دوراً رئيساً في إطالة أمد الأزمة السورية». بدوره، يقول عروة نيربية، الذي اعتُقله الأمن السوري فترة في دمشق (الأخبار 25/8/2012) إنّ أميركا وحلفاءها «يستخدمون مع سوريا جزءاً من السيناريو العراقي، ويسعون إلى خلق عراق جديد ضمن ما يعرف بمخطّط «الشرق الأوسط الكبير». ويشير المنتج والسينمائي السوري إلى أنّه «واهم مَن يظن أن التدخل العسكري في سوريا هو من أجل إسقاط بشار، فالغرب لا يتدخل إلا لمصالحه، وطبقاً لأجندته الخاصة».
وتابع أنّ أغلب المثقفين السوريين المقيمين في مصر يرفضون التدخل العسكري، لكن عموم الجالية من غير الكتّاب والمثقفين منقسمون على أنفسهم، فمنهم مَن يعتقد بجدوى «الضربة» وقدرتها على لمّ الشتات السوري. الممثلة السورية رغدة ترى أنّ العدوان الغربي على سوريا مستمرّ منذ عامين ونصف عام، و«لا فرق بين عدوان تنظيم «القاعدة» والتيارات الإرهابية وعدوان باراك أوباما الهمجي». وعن الخطوات التي يمكن اتخاذها للضغط على أميركا والرأي العام العالمي، أجابت بطلة فيلم «الحدود»: «قبل غزو العراق عام 2003، تحرّكت الشوارع العربية والغربية أيضاً ضد العدوان، فهل أوقفت الضربة؟ ليس معنى هذا أنّني ضد الحراك أو التجمّع لصرخة الحق، لكنّ المخطط كبير، والقرار ليس بيد الشعوب العربية للأسف. وبعض المحطات المصرية التي تروّج الأكاذيب عن النظام السوري تؤدي دوراً أقذر من دور «الجزيرة»، وهو ما يوجعني، لأنها تتخذ موقفاً معادياً لسوريا كلّها». وبالنسبة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي أقيم أخيراً، أجابت الفنانة السورية بسرعة: «من؟ عمن تسأل؟ من هؤلاء؟ أنا لا أعرفهم، ونحن لها، وسوريا ستحيا، وسيكتب التاريخ أنّ سوريا قاومت ودخلت حرباً لإعادة التوازن العالمي، وصياغة جديدة للمنطقة حيث مركزها دمشق».