أربعون ألف كاريكاتور، أرشيف ضخم في فضح الخزي، فلسطين أخرى غير تلك التي كان ناجي العلي يسعى إلى استعادتها، تتشكّل الآن، في غرف المفاوضات السريّة. أظن أن رسّام الكاريكاتور الفلسطيني الراحل، سيقع في معضلة، ففلسطين التي كان يرسم خطوطها بالأبيض والأسود، لن تكون هي نفسها التي كان يحلم بها. أما الرجال المسوخ، أولئك الذين يشاركون حنظلة المساحة، فقد اتخذوا هيئات جديدة تتلاءم مع الخرائط المُحدثة، فما الذي يمنع من أن تكون سيناء هي «أرض الميعاد» الفلسطينية؟
وأنّ لورانس العرب، صار عربياً، وليس بالضرورة أن يكون جاسوساً بريطانياً بالكوفية والعقال؟ لدى ناجي العلي فرصة لرسم المقاولين الجدّد، وهم يتقاسمون الغنائم بعد كل مذبحة. لقد رحل في الوقت المناسب إذاً، تكفيه هزيمتان أو ثلاث هزائم، فهو لن يحتمل قلم الفحم أكثر من هذا السواد. أما «مخيم عين الحلوة»، فسيحتاج إلى شخصيات أخرى، بعدما انضم إلى نازحيه، نازحو «مخيم اليرموك»، ولن تكفي دموع فاطمة، أو احتجاجات الرجل الطفران، في وصف الألم. الرصاصة من مسدس كاتم للصوت في أحد شوارع أحفاد بلفور، أنقذت الرسّام الغاضب، من فواتير إضافية لرسم التغريبة الفلسطينية، وتشريقة العار. نم أيها الناجي في قبرك البعيد، يكفيك ما شهدته من دمامل في الجسد الجريح. الجسد الذي نسيه الجميع في برّاد الموتى، وشُغلوا في تمزيق الأجساد الجريحة الأخرى على الخريطة. فلسطين لم تعد أيقونة أحد، كما كنت تفعل...