بضعة أشهر وتطفئ الممثلة الفلسطينية اللبنانية ميرا صيداوي شمعتها الثلاثين، لتحتفل بعيداً عن وطنها الأم الذي لم تعرفه إلا من خلال نبض قلبها وحدس عرفت كيف توجّه بوصلته نحو «أولى القبلتين» قولاً وفعلاً.
لم تغادر ميرا بيروت إلا نحو دمشق، وبعض العواصم التي أنهت فيها سريعاً بعض تفاصيل العمل. كذلك، فقد اعتصمت بلهجتها الفلسطينية التي تعتد بها تماماً مثلما تلتزم فنّها المسرحي. لم تتخلّ يوماً عن التفكير في قضية شعبها المبعثر في أرجاء الأرض. هكذا، أوجدت لنفسها فرصة بعيداً عن تدريس التمثيل، وعن البروفات اليومية التي تجريها على مسرحيتها التي تتهيّأ لعرضها على «مسرح بابل» البيروتي بمشاركة مواطنتها نسرين سنجاب، فأنجزت فيلماً وثائقياً عن الفلسطينيين.
«29 عاماً لم أشعر فيها بالانتماء إلى أي بلد سوى فلسطين. كنت دائماً أسأل نفسي لو قدِّر لي وعُدت، هل سأنتمي إلى مكان لم أعش فيه أي لحظة؟» تقول صيداوي لـ«الأخبار»، مضيفةً أنها التقت الصحافي والمخرج الفلسطيني السوري فجر يعقوب مصادفة في بيروت، عندما اقترح عليها فكرة فيلم عن مخيم برج البراجنة يحكي فيه عن النازحين الفلسطينيين السوريين الذي كرروا نزوحهم من مخيمات دمشق نحو مخيمات بيروت، فكانت النتيجة 50 دقيقة من الدراما الوثائقية «طريق بيروت - مولهولاند 150 ألف كيلومتر» (Docudrama ــ إخراج فجر يعقوب). تحكي عنه: «توقعت بداية أن يكون العمل عادياً يشبه أي عمل يحكي عن قصة اللاجئين الفلسطينيين، لكن الغريب أنّ يعقوب لم يكن يحمل أي فكرة عن بنية الشريط الأساسية. لذا لم يكن أمامنا سوى القيام برحلة استكشافية في اليوم الأول بين سكّان المخيم، وخصوصاً السوريين. وهناك شعرت بأنّني أليس في بلاد العجائب!». رغم معرفة صيداوي بالمخيم وأهله، إلا أنّها كانت على موعد مع رمزية صارخة تشير إلى ازدياد الموت المحتم عندما لاحظت اتساع البقعة الجغرافية لمقبرة المخيم عما كانت عليه حين زارته قبل سنتين. كان عليها أن تبحث طويلاً عن قبر والدها قبل أن تلتقي بنماذج تعبر بإطلالتها وأسلوب حياتها قبل أن تحكي بألسنتها عن معاناة التهجير المكررة بعد نزوحهم عن وطنهم الأم. لملم هؤلاء ما تيسر لهم من بقايا أشياء ونزحوا من جديد عن وطنهم البديل (المخيمات السورية المدمرة) إلى مخيم تعرّفوا فيه إلى غرباء، هم في الأصل أبناء بلدهم. لذا، فإنهم نسوا تماماً قضيتهم الأساسية وصار موضوع عودتهم إلى سوريا وتفاصيل مخيماتهم الحميمة هو هدفهم الوحيد ضمن المتاهة المعقدة والمتشعبة التي يعيشونها. طوال عشرة أيام، مزج يعقوب وصيداوي بين انتمائهما وحسهما الفلسطيني وبين الهم الفني لتوثيق معاناة فريدة من نوعها أسهم في بعض مشاهدها الممثل اللبناني حسان مراد. وقد كان على الممثلة الشابة أن تغوص في مصائر شخصيات انتقتها عشوائياً وتصل معها إلى نتيجة مبهمة ربما هي مقولة الفيلم «طريق التشرد الفسطيني صنعه الظلم، وحلم العودة قارب المستحيل في ظل الانقسام الذي يفتك بالعرب».

«طريق بيروت ــ مولهولاند 150 ألف كيلومتر» 23:00 غداً على «الميادين»