أكثر من 29 شهيداً و500 جريح قضوا في طرابلس ضمن حلقة جديدة من التفجيرات الإرهابية التي تضرب لبنان. حصيلة ضحايا مسجدي «التقوى» و«السلام» لم تردع بعض وسائل الإعلام المحلية من قرع طبول الحرب وبث التحريض والرقص على الجثث. لم تأبه هذه القنوات لحياة المصلين الأبرياء الذين قضوا وهم خارجون من المسجدين المذكورين، بل ركّزت أولاً على الاطمئنان إلى سلامة السياسيين ورجال الدين القاطنين في الجوار. واللافت كان هذا الغلوّ في توصيف الشيخ سالم الرافعي الذي لم يكن خطيباً كما أشيع على إحدى القنوات، بل كان موجوداً مع المصلين. راحت بعض الشاشات بينها «الجديد» تطمئن إلى أنّ الشيخ بخير وتكيل له الأوصاف، هو «الذي يتمتع بشعبية كبيرة في طرابلس» تقول راشيل كرم مراسلة المحطة. إضافة الى إهمال الشأن الإنساني وهول ما خلفه هذان التفجيران، فتحت الشاشات اللبنانية خصوصاً «المستقبل» الهواء لجوقة من النواب «المستقبليين» والمسؤولين الذين لم يوفروا جهداً في تحميل مسؤولية العمل الإرهابي إلى «حزب الله». مثلاً، ظلّت نجاة شرف الدين تحاجج النائب وليد جنبلاط عندما اتهم إسرائيل بالجريمة، فسألته: «من مِن الأطراف الداخلية مسؤول عن التفجير؟». فيما راحت معزوفة واحدة تنضح على هذه المنابر هي دعوة «حزب الله» الى الانسحاب من سوريا، ووصل الأمر بالبعض كنقيب المحامين السابق رشيد درباس الذي استصرحته القناة الزرقاء إلى التلميح بأنّ تفجيري طرابلس «هما عمل انتقامي من تفجير الرويس وردّ على توزيع الحلوى في المنطقة عقب المذبحة التي حدثت في الضاحية»! ركّزت بعض المحطات على إبراز الوجوه السلفية المتشددة التي راحت تدلي بدلوها في هذه الأوقات الحرجة، فكان تصريح لبلال دقماق على mtv الذي اتهم مباشرة «حزب الله» بالعملية. واستكملت الحفلة على «الجديد» مع «ضيفها الدائم» الشيخ داعي الإسلام الشهال الذي قال إنّ «الحزب يحرق لبنان لأجل النظام السوري». ليس مستغرباً والحال هذه أن تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي المانشيت التي تصدرت صحيفة «المستقبل» أمس: «حزب الله يتوعد بيئة 14 آذار مجدداً» ومقطع من برنامج «كلام الناس» أول من أمس حيث يسأل مارسيل غانم النائب حسن فضل الله: «هل أنتم بوارد تعملوا عمليات انتقامية؟ (...) ما بتردوا على مناطق سنية مثلاً؟». إذا برز انقسام واضح على صعيد التغطية أمس بين تحريض مذهبي وتغليب الخطاب العاقل والتهدوي كما فعلت «المنار» وotv. الأخيرتان استصرحتا شخصيات معتدلة ذات خطاب جامع وغير مستفز. الصور الأولية للتفجيرين جاءت على شاكلة صور ثابتة تداولتها «الجديد» و lbci ثم عُرض شريط لحظة وقوع الانفجارين كاشفاً هول الجريمة.



على الصعيد الفضائي، وكما حدث في تفجير الرويس، لم تعر القنوات اهتماماً لما حدث ما خلا «الميادين» التي واصلت التغطية من طرابلس. كذلك، أفردت bbc مساحة للحدث تحت عنوان «الأمن في لبنان» مع تركيز على تداعيات الأزمة السورية «وارتباط «حزب الله» بالقتال في سوريا الى جانب النظام، والسنّة إلى جانب الثوار المعارضين». كذلك، اهتمت «العربية» بشكل طفيف بالحدث، مخصصةً شاشتها للتطورات المصرية، وأوردت أن الشيخ الرافعي هو من الأسماء المعروفة و«لعب مؤخراً دوراً بارزاً في المفاوضات بين الجيش اللبناني والشيخ أحمد الأسير (..) قبل أن يقرر الجيش ضرب مقاتلي (الأسير)». وبقيت «الجزيرة» في سبات باستثناء ما وصفته عن منطقة الاستهداف بأنّها «ذات غالبية سنية» وبأن الرافعي «هو من الداعمين للثورة السورية». إذاً، يوم دامٍ آخر يشهده لبنان، تستغلّه القنوات لخدمة أهدافها السياسية. لم تنتبه خلال تغطيتها إلى تلك الصورة الأقوى والأبقى من ذلك اليوم الأسود: جثّة رجل متفحّم وإلى جانبه علم لبنان!