شقّ يوسف عبدلكي خطواته الواثقة نحو محل بوظة رغم تعبه وفقدانه جزءاً كبيراً من وزنه، لتكون محطته الأولى مخالفةً لكلّ التوقعات التي رجّحت أن يخرج متلهفاً لرؤية محترفه المعروف في حي ساروجة العتيق في دمشق القديمة، والاطمئنان إلى الحمام الذي يربّيه ويعتني به بمنتهى الدقة.الباب الحديدي للمشغل بقي مغلقاً واللوحة التي كتب عليها عند بابه «مدة الزيارة نصف ساعة» لما تزل في مكانها، وقد حدق بها جيداً كل الزائرين بمن فيهم أهل الإعلام والصحافة الذين توافدوا إلى هناك ليباركوا للرجل بالحرية.

لم يملوا الانتظار حتى جاءهم الخبر بأن الفنان السوري سيحلق لحيته البيضاء التي نبتت أكثر من اللازم، وسيلتحق بهم فوراً. الخبر كان فسحة فرح ضئيلة في صحراء الحزن القاحل التي يعيشها الفنانون السوريون.
في حديثه مع «الأخبار»، يقول النحات السوري مصطفى علي: «من المؤسف أنّ الفرح صار يرتبط بإطلاق سراح مَن خلقت الحرية لأجلهم ويوسف عبدلكي أولهم لأنّه فنان مهم والوطن يمشي في عروقه، وقلبه ينبض بعشق بلاده. لا بد من الاعتراف بأنّه لم يكن يستحق الاعتقال أو أي سلوك قمعي وتعسفي لأنني أراه كإنسان معطاء أخذ على عاتقه مهنة الدفاع عن حقوق الضعفاء من دون أن يتخلى عن سلميته ووداعته». يضيف علي: «كنت أتواصل مع عبدلكي كلما تواجدت في سوريا، وقد صفعني خبر اعتقاله. حضرت عشرات الجلسات لفنانين سوريين كان بعضهم يختلف في الرأي مع يوسف، لكنّ نتيجة كل الجلسات كانت الإجماع على ضرورة نيله الحرية، والإشارة إلى الخطأ الفادح الذي ارتكب باعتقاله. يوسف عبدلكي فنان ومعارض وطني. يكفي أنّه رفض كل أشكال التدخل الخارجي، وحمل مواقفه المشرّفة والسلمية أينما حل، ولم يغادر سوريا. هذا وحده يفرض على السلطات الامتناع عن اعتقاله أو حتى مضايقته».
بدوره، لا يخفي الفنان إدوار شهدا في اتصال مع «الأخبار» فرحه الغامر لدى معرفته بإطلاق سراح عبدلكي. يقول: «أنا ويوسف عشرة عمر تخرّجنا من الدفعة نفسها. في اليوم ذاته، غادرنا كلية الفنون الجميلة وبقينا على تواصل حتى غادر دمشق وعاش في باريس 28 عاماً لم يقبل أن يأخذ الجنسية الفرنسية خلالها، فهل يعتقل من يعتدّ بجنسيته بهذه الطريقة ويتباهى بنضاله السلمي؟!». يتساءل التشكيلي السوري مضيفاً: «كانت فترة اعتقاله صعبة على الجميع. ومن المؤكد أنها كانت قاسية بالنسبة إليه».