ما حصل لـ«مهرجانات بعلبك الدولية» أشبه بما عاشه ابن الرومي من سوء حظٍ دفعه إلى التشاؤم الدائم. وإذا أردنا وصف أحوال «مهرجانات بعلبك» (وكذلك أحوال مدينة الشمس)، فلن نجد أفضل من الموسيقى. والموسيقى التي تختصر «اللعنة» التي حلَّت على الدورة الحالية من المهرجان العريق موجودة. إنّها غنائية «رحيل» التي أبدعها الأخوان رحباني قبل نصف قرن، أي مقدِّمة «البعلبكية» التي تروي رحيل آلهة بعلبك عن مدينتهم المهدَّمة.
أجواء الرهبة والأسى والغموض الذي تعكسه مطلع «البعلبكية» نعيشها اليوم، وصوت عاصي متكلماً في تلك المقطوعة يحمل الأمل في إعادة إعمار ما تهدَّم من حجرٍ ومجد من خلال «الكلمة اللي بتْغَنّي». المجد لبعلبك لن يعود إذاً إلّا من خلال الموسيقى.
المهرجان العريق تعرَّض هذه السنة لأسوأ المفاجآت. الدورة الحالية ــ بشكلها الأول ـــ كان يمكن اعتبارها جيدة جداً مقارنةً بدورة السنة الماضية (الأضعف في تاريخ المهرجان). لكن اللعنة التي حلّت عليها أصابت أكثر من عنصر قويّ. نبدأ من المكان، أي قلعة بعلبك، الذي كان يُعتَبَر أهمّ خاصّية يتمتع بها المهرجان. الأوضاع الأمنية فرضت نقل الحفلات إلى سد البوشرية! قبل الانتقال النوعي سلباً (من منطقة آثار وتاريخ إلى منطقةٍ صناعية)، تلقى المهرجان ضربة موجعة أولى عندما ألغت مغنية الأوبرا رينيه فليمينغ حفلتها التي كانت مقرَّرة في 30 حزيران (يونيو) الماضي لأسباب لا علاقة لها بالوضع الأمني. هكذا تعثر الافتتاح، فارتاح المنظمون طيلة شهر رمضان، وإذا بماريان فايثفول تعلن عدم قدرتها على تلبية الدعوة بسبب تعرضها لكسر في عمودها الفقري! طارت إذاً حفلتها في 17 آب (أغسطس). أضف إلى تلك اللعنات، لعنة الرقابة الدينية التي لاحقت عرض Puz/zle الذي يختتم المهرجان (الأخبار 20/7/2013).
شاءت الصدف أن تزيِّن غلاف ملفنا الخاص بمهرجانات هذا الصيف صورة المغنية وعازفة البيانو البرازيلية إليان إلياس. وحتى كتابة هذه السطور، ما زالت حفلتها قائمة غداً الجمعة 23 آب (أغسطس)، وكذلك حفلة مرسيل خليفة التي لا خوف كبيراً عليها لثلاثة أسباب: الفنان لبناني ويدرك بالحد الأدنى كيف تحصل الأمور أمنياً في لبنان. ثانياً، الحفلة ستقام في منطقة آمنة نسبياً، وأخيراً، سيظهر خليفة وحيداً مع عوده وبالتالي لا عراقيل لوجستية كتلك التي قد يواجهها المنظمون في حال وجود فرقة كبيرة.
إذاً، الحفلة الموسيقية الغربية الوحيدة المتبقية على برنامج «بعلبك» تحييها إليان إلياس (1960) التي تمثّل موسيقى البوسا نوفا البرازيلية والجاز. لا يجوز مقارنة إلياس بمغنيات البوسا (أسترود جيلبرتو) أو الجاز الكبار (اللائحة تطول) ولا طبعاً بعازفي البيانو الأساطير (في عالمي الجاز والبوسا). لكن، إذا ما قورنَت بمثيلاتها (ونقصد تحديداً ديانا كرال، وقد أشرنا إلى هذه نقطة في الملف الخاص بمهرجانات 2013)، يمكن القول إننا في صدد أمسية تستحق الاهتمام. بل إنّ حضورها يُعتَبَر ضرورة لمحبي البوسا والجاز، باعتباره أفضل ما شهده وسيشهده صيف لبنان في هذه الفئة. الفنانة الغزيرة تتقن لعبة البوسا والجاز غناءً وعزفاً وكذلك تأليفاً. إنها موسيقية مكتملة ومحترفة، غزيرة الإنتاج، عاشقة لرموز هذه الموسيقى من جوبيم إلى بيل إفنز... وأخيراً تشت بايكر الذي حيّته من خلال آخر إصداراتها «فكّرتُ بك» (I Thought About You / 2013) الذي خصّصته لملك الـ «كول جاز» المعذَّب، واستعادت فيه كلاسيكيات عازف الترومبت والمغني الرومنسي الرقيق.
سنسمع بالتأكيد من هذا الألبوم There Will Never be Another You وEmbraceable You في حفلة إليان إلياس المرتقبة. وسنسمع منها أيضاً كلاسيكيات البوسا النوفا كـــ Desafinado و Só Danço Samba التي سبق أن سجّلتها وأدتها غناءً وعزفاً في حفلاتها. أما الفرقة التي ترافقها فتتألف من زوجها مارك جونسون (باص)، روبنز دي لا كورتيه (غيتار) ورفايل باراتا (درامز).



حفلة اليان الياس: 20:30 مساء غد ـــ La Magnanerie (سد البوشرية، بيروت)