في ما يشبه الحنين إلى الحقبة «الوسطى» من مسيرته الفنية ــ السياسية، أطلّ مرسيل خليفة ليعلن عن حفلته خلال مؤتمر اعلان برنامج «مهرجانات بعلبك الدولية». كان هذا المؤتمر قد انعقد في التاسع من أيار (مايو) الفائت قبل الإشكاليات السياسية التي طرأت وأدت إلى نقل العروض إلى بيروت. بدا الفنان المعروف بحنكته الكلامية كأنّه يناجي جمهوره القديم علّه يجد معه «مقعداً للحنين» كما أشار.
اللافت أنّ الحفلة التي حملت اسم «في البال أغنية» تشهد انفراد خليفة بعوده في بلدٍ كثر فيه الإخراج المرئي، وأصبحت فيه الموسيقى «الجدية» تُقيَّم بحجم الفرقة الموسيقية وتعدد جنسيات عازفيها... فهل يعزى ذلك إلى الحالة السياسية والاجتماعية التي نعيشها، وتشعرنا بأنّ الحرب قريبة أم أنّه بسبب رؤية موسيقية خاصة بعدما شعر بأنّ التغريب والتكلّف المفرط في الأداء والضخامة الاوركسترالية لموسيقى بسيطة كالتي سمعناها في أعماله الجديدة، لم تستطع أن تمسك بقلوبٍ ارتعشت لبساطة «يا بحرية»، و«جواز السفر»، و«توت عبيروت»؟ قلوب ما زال يغني ويصلّي ــ كما يقول ــ للعلاقة التي تجمعه بها، لكنه يشير إلى أنّ الالتزام في الفن يعني التعبير عن حاجات الناس الجمالية والثقافية، وأنّ مشاغلهم ليست دوماً سياسية بالمعنى الحرفي، «فقد يكون في فضاء حياتهم من القضايا والمشاكل ما يفيض عن قدرة اللغة السياسية على التعبير».
في بداياته، أو ما بعد بدايات مسيرته، تميزت أعمال صاحب «جبل الباروك» بالسلاسة والقرب من الشعب، وذلك قبل إصدار أسطوانة «جدل» (1996) التي كانت بمثابة أول خطوة لمنحى جديد انبثق مما هو أعمق من «تجربة موسيقية». لقد كانت انعطافاً جذرياً في المفاهيم والمبادئ السابقة التي أوحى بها. لقد تحولت موسيقى خليفة إلى أداء صنمي يجذب رواد الترف الفكري، حيث نرى شكلاً مبسطاً من أشكال الموسيقى الغربية العالمة خلال الحقبتين الكلاسيكية والرومنطيقية (1750ــ1910) ذات التأليف العمودي الهارموني. لاقت تجربة خليفة إعجاباً من هنا وصمتاً من هناك، لاسيما لدى الجمهور اليساري الذي عشق البساطة والتضحية، وفوق كل شيء اعتز بهويته الشرقية المتسمة بالعفوية والشفوية في نقل الفنون الموسيقية.
يعبّر خليفة لـ «الأخبار» عن مبتغاه في التأليف الموسيقي، حيث يغوص عميقاً لاكتشاف مشروع مستقبلي يمكن فيه ــ كما يشير ــ المصالحة مع المجتمع والدفاع عنه بعدم تهميشه.
في حديث في السياسة، يتألّم الفنان لما وصل إليه اللبنانيون «في هذه المرحلة التي نعيشها، تضاءلت الآمال وتم تهميش المجتمع وتبدت في الوقت نفسه هشاشة القوى السياسية الموجودة، وضعف قدرتها على صياغة أساليب نضال مبتكرة وفعالة. لقد سقط الكثير من الأوهام المتعلقة بالسياسة، لقد وصلنا إلى مرحلة عُري كامل». إلى ذلك الجمهور، إلى الشعب البسيط الذي ملّ التصنّع والظلم والتزوير، إلى من اشتاق إلى «جواز السفر» و«ريتا»، يطل مرسيل خليفة مساء السبت في La Magnanerie (سد البوشرية)، بينما حكي عن أمسية أخرى يقدمها في الليلة التالية لأهالي بعلبك في معبد باخوس إلا أن القائمين على المهرجان نفوا ذلك.



«في البال أغنية» لمرسيل خليفة: 20:30 مساء السبت 24 آب (أغسطس) ــ La Magnanerie (سد البوشرية، بيروت) ـ للاستعلام: 71/663579 ــ 01/373150