برز اسم عازف البيانو جوني هاشم في عالم التأليف قبل سنوات. هو صاحب مقطوعة «الهزيع الرابع» التي أدتها الاوركسترا السمفونية الوطنية عام 2014 في إحدى حفلاتها. المؤلف الحائز جوائز عدة، انطلق أخيراً في مشروع «البيانو العربي».
مسار جوني هاشم في الموسيقى يشبه مسار مئات من الفنانين في مجتمعاتنا خصوصاً. فتى شقي لم يفكر والداه بدءاً أنه قد يكون لديه أي اهتمام في مجال الموسيقى، ففضلا تعليمه الرياضة بدلاً من الفن. كان به أن يثور على هذا القرار ليظهر رغبته في تعلّم العزف على آلة البيانو التي رأى والداه بدءاً أنها قد تناسب شقيقته أكثر منه. يذكر جوني في هذا الصدد: «كنت أسرق ما تعزفه شقيقتي وأعود لأؤديه من بعدها، متبعاً سمعي. لم تكن تحب العزف كثيراً، ولكنها فعلت ذلك لأن والدي أرادا ذلك. أما أنا، فكنت أتمتع بالفضول. بعد سنوات، أُدخلت المعهد، وتبيّن أنني أحرز التقدّم في العزف على السمع. درست البيانو والتأليف وحصلت على درجة الماجسيتر بامتياز. كذلك، درست الجغرافيا في الجامعة. قدمت الكثير من الحفلات في الخارج كما شاركت في «ماستر كلاس» في سويسرا وفرنسا، فطوّرت نفسي في الخارج». لعلّ أبرز إنجاز قام به هاشم حتّى الآن حيازته جائزة أفضل مؤلف موسيقي عالمي لعام 2009 في مسابقة «جامعة سرجي بونتواز» في فرنسا. كان ذلك دليلاً إضافياً على موهبته التأليفية، وحافزاً للانطلاق بعمق في هذا المجال. في نظره، نجاحه في هذه المسابقة يُعزى الى «الروح الشرقية التي وضعتها في التأليف. لذا، تميّزت عن غيري. كل المتشاركين كانوا مؤلفين محترفين، من نيويورك واليابان وأنحاء العالم. أرى أنّه على المؤلف أن يتمكن من كتابته للآلات ومن دراسته ليبرز».
يكتفي بالعمل على المقطوعات الشرقية الخالية من ربع الطنين

من هنا، بدأ التفكير في مشروع جديد، حمل عنوان «البيانو العربي». صحيح أن تجربة أداء الألحان الشرقية على البيانو ليست جديدة تماماً. إلا أنّ مقاربة هاشم هذه المرة هي المتجددة. عن هذا المشروع، يشرح: «بدأت تقريباً عام 2011، بأداء نوع من التقاسيم على البيانو. بنيت مؤلفاتي على موشحات موجودة وعلى الفولكلور اللبناني والعربي. هناك من يجمع بين الشرقي والغربي، ولكن ما يميز هذا العمل، أنه يخص البيانو المنفرد، وهو مختلف عن الأمور التي أنجزتها للأوركسترا. قدمت في فرنسا هذا الشهر (30 أبريل في كنيسة إيلانكور البروتستانتية الانجيلية) حفلة تمتد لنحو ساعة، مخصصة بالكامل للبيانو. أحياناً يُمزج البيانو مع الآلات الأخرى وتضيع الأمور قليلاً». وهذا ليس كلّ شيء، إذ إن هاشم يعتبر هذه الحفلة بداية لمشروع سنين، هدفه التوصل الى إصدار مؤلفاته في كتاب من شأن أي عازف بيانو أداءها متبعاً التنويط المحدد: «في المستقبل، عندما أنهي هذه الجولات كلها، طموحي أن يتمكن شخص في ألمانيا يوماً ما من أن يأتي ويعزف تلك المقطوعات والا أكتفي بتأديتها في حفلة موسيقية. هناك أشياء أكتبها، وهناك ما أعيد كتابته، وكله يحتاج الى الوقت. نحن ندرس في كتب الغرب، فلمَ لا يكون للغرب أيضاً مستندات من عندنا؟ الشرط هو طبعاً أن تُقدَّم بطريقة محترفة. هذه أهمية المشروع على المدى البعيد للاجيال القادمة».
لكن ماذا عن صعوبة نقل مقطوعات شرقية الى آلة صُنعت في الأصل لتؤدي موسيقى غربية؟ يؤكد هاشم أنه يكتفي بالعمل على المقطوعات الشرقية الخالية من ربع الطنين. يوضح: «هناك الكثير من الموشحات الخالية من ربع الطنين. أنا أتجنب إحداث تغيير في الآلة نفسها. هناك من فعل ذلك ولكن لا يمكن اعتماد هذه الوسيلة في أوروبا مثلاً. أنا أعمل على الأمور التي يمكن تطبيقها على البيانو. من ناحية أخرى، الموشحات الشرقية قوية جداً من ناحية اللحن، لكنها ضعيفة على مستوى الـ «هارموني». ما أفعله هو أنني أعطيها هذا الغنى الذي نفتقر إليه. والبيانو يسمح بذلك. في موسيقى شوبان مثلاً، هناك لحن جميل جداً، ولكن ما يزيده جمالاً هي الـ «هارموني»». ويضيف ختاماً: «ما زلت أقوم بإطلاق للمشروع عبر الحفلة التي أقدّمها في فرنسا. هو مشروع طويل. كل شيء بدأ فناً ثم تحول علماً ثم تعليماً. وأنا أتبع المسار نفسه».