منذ انفجار الرويس الخميس الماضي، تأرجحت بعض القنوات اللبنانية بين إظهار وجهها المتضامن مع المجزرة عبر تغطيتها المستمرة في الميدان والمستشفيات والاستوديوات، وبين «الحفاظ» على برمجتها المعتادة. يوم الجمعة الماضي، أي بعد يوم واحد على التفجير، كان الثقل الأساسي في الصباح ينصبّ على مواصلة التغطية والوقوف عند مختلف المستجدات، لتبدأ هذه الموجة بالانحسار مع ساعات المساء التي «توِّجت» بالحفلات الصاخبة كما فعلت otv أو في المسلسلات اللبنانية والتركية كما فعلت باقي القنوات باستثناء «المنار» و nbn.
في التحليل الأولي للأداء الإعلامي، كان لافتاً هذا التضامن بالصورة والصوت والكلمة مع أهالي الضحايا والنكبة التي حلّت عليهم حتى من أشرس الخصوم لسياسة «حزب الله». ضمن هذه القنوات، برزت «المستقبل» التي لبست ثوب الحداد وخصّصت تغطيتها المباشرة لهذا الحدث في أداء متمايز جعل المشاهد يخال أنّ لحمة ما قد جرى إصلاحها بين المتناحرين في السياسة والأيديولوجيا، واستبشر خيراً بإفرازات هذا الأداء. لكن سرعان ما بان «زيف» هذا التضامن إذا أمكننا توصيفه بذلك. حلقة الجمعة الخاصة بحدث الرويس على الشاشة الزرقاء شكّلت ضربة أسقطت الأداء السابق للمحطة. حلقة خاصة أدارتها بولا يعقوبيان تحولت لاحقاً إلى ما يشبه حفلة جنون وهجوم لا مثيل له مع انتقاء دقيق للضيوف، لم يخترقه أي صوت للآخر المختلف سياسياً مع المحطة. ستّ شخصيات حلّت على الحلقة من لون واحد ضمّت الكاتبة منى فياض، والنائبين «المستقبليين» جمال الجراح وأمين وهبي والناطق الإعلامي باسم «الجيش السوري الحرّ» لؤي المقداد و«المحلل السياسي» كما عرّف عنه نديم قطيش والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون. ستّة أصوات راحت تقيم ما أشبه بحفلة زجل وتصبّ هجومها على «حزب الله». بعضهم وصل به الأمر إلى تبرير الجريمة كما فعل قطيش الذي قال إنّه «لم يفاجأ بالتفجير» بل فوجئ بتأخّره! بدورها، راحت منى فياض تنتقد مجموعة «تهيمن على باقي الطوائف بترسانتها العسكرية». ولم يوفّر المقداد كلمة إلا هاجم فيها النظام السوري و«حزب الله» الذي «أسقط مئات القتلى السوريين واحتل الجوامع والكنائس». واتّهم الجيش السوري والإيراني بتفجير الرويس، كاشفاً عن «تململ شعبي» في القواعد الشعبية لـ«حزب الله»!
«إذا اشتقتوا لـ DNA» تقول بولا يعقوبيان، فهذا نديم قطيش يحلّ ضيفاً في الحلقة التي ساوى فيها بين التكفيريين والحزب. وبنبرة الواثق الشامت، قال: «يتحمّل القاتل دماء الذين سقطوا (في الرويس)، وكذلك الحزب؛ فالجريمة تجرّ الجريمة». استمرت جوقة التحريض والاتهام والتركيز على إسباغ الحزب بصبغة مذهبية وتحميله مسؤولية ما جرى. كانت حقاً حلقة «تضامن» مع ما ألمّ بعوائل الشهداء والجرحى. حلقة لم تنفع معها حنكة يعقوبيان لتكون الصوت الآخر مع 6 شخصيات تكنّ العداء للحزب، ولم تنفع أيضاً الصور المفجعة من الانفجار والأرزة اللبنانية وموسيقى الموت المهيبة التي ظهرت عند كل فاصل إعلاني. ربما كانت otv التي بثّت مساء الجمعة حفلات غنائية راقصة أكثر صدقاً من «المستقبل» التي لبست ثوب الحداد الأسود، لكنّها خبّأت تحته سماً قاتلاً ربما أسهم في استعادة الجاني أنفاسه من جديد!