لا يجوز أن نحمّل مارسيل غانم أوزار الحياة السياسيّة اللبنانيّة البائسة، لكن المؤكّد أنّ برنامجه غالباً مرآة أمينة لهذا البؤس، وأحياناً شريك في هذا الانحطاط. أوّل من أمس، كان الشرخ فاضحاً بين مشهد المجزرة في الرويس، والعرض التراجيكوميدي في استوديو «كلام الناس»، كأنّ البث المباشر يأتي من كوكب آخر لا من أدما الكسروانيّة، على بعد عشرات الكيلومترات من الضاحية الجنوبيّة لبيروت. هنا الدم والذهول والأشلاء والخراب والغضب، وهناك كلام المناسبات والعواطف الجوفاء وشعارات التكاذب: من «أبو ملحم ستايل» إلى المسيو دقماق الذي كشف لنا الاستقصائي وئام وهّاب أنّه صاحب كاراج.
نلنا نصيبنا من خطابات الاستنكار والإدانة والتضامن والعزاء والوحدة الوطنيّة، قبل أن يهمس لنا المتضامنون والمعزّون والمستنكرون: لا نستطيع شيئاً في الحقيقة. ولا نريد أن نقلقكم، لكن المأساة ستتكرّر على الأرجح. دبّروا حالكم! ثم تعود الكاميرا إلى مارسيل الذي افتتح الحلقة بـ«جمهوريّة فلتانة، عصفوريّة… كاسك يا وطن الأحزان، إلخ». يترقوَص وهو يسأل من دون أي مسافة نقديّة، وبحماسة من يعلن افتتاح حفلة الدبكة: «هل بدأت الفتنة السنيّة الشيعيّة؟». ثم يشبك الجميع على الدبكة: «يلا كلّنا مع بعض، أيدينا بإيدين بعض. لمين تاركين هالبلد؟». ليس المتكلّم مواطناً عاديّاً مغلوباً على أمره، بل رئيس أغرب حكومة في تاريخ الجمهوريّة الثانية. أما الوزير مروان شربل، فتبدو أفكاره مشتتة، ويجيب كالدركي بتوضيحات تقنيّة عن أسئلة مارسيل الاستراتيجيّة، ويبذل جهداً كي يركّب جملاً مفيدة من نوع «يعني هالمجرم اللي ارتكب الجريمة ما فيني قلّو إلا إنّو (يتلعثم) معقولة إنّو ببلد متل هالبلد هيدا (صمت طويل) يصير فيه اللي صار فيه». ماذا يمكن أن تضيف؟
ويكتشف المشاهد أن حكامه يعرفون. يعرفون أن هناك تفجيرات. وأن هناك أسلحة ومقاتلين، وأن هناك «القاعدة»… يعرفون من ارتكب التفجير الأوّل في الضاحية… لكن «الأمر بيد القضاء» يقول الوزير شربل. «لا أستطيع أن أعلنها من دون موافقة جميع الأطراف»، يقول الرئيس ميقاتي. أما مارسيل، فليس في باله إلا سؤال يتكرّر كاللازمة. لقد نفد صبرنا. متى تبدأ الحفلة؟ في الحقيقة، الإعلام اللبناني يساعد على انطلاق الحفلة (الفتنة)، ويتحمّل قسطاً من المسؤوليّة عن الأجواء الموبوءة، حين يستضيف القتلة بصفتهم صوت الأمّة، وحين يعطي الكلمة لمهرّجين مثل بلال دقماق، فيسبغ عليهم شرعيّة وطنيّة. لكن إنجاز مارسيل غانم يبقى الاستطلاع: «ما الذي يخيفك في لبنان أكثر؟ سلاح حزب الله أم ظهور القاعدة؟». هكذا تساوي lbci في خطوة تطوّعيّة أو مطلوبة، بين المقاومة والإرهاب تحت مظلّة «الخوف». ما يخيفنا في لبنان هو الإعلام الانتهازي وغير المسؤول الذي يفرش الورود على طريق الحرب الأهليّة المقبلة.


يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@