لم يكن غريباً أن تنقسم وسائل الإعلام حول قضية المخطوفين اللبنانيين في إعزاز السورية. منذ اللحظات الأولى لعملية الخطف، شكّلت هذه القضية محل تجاذب بين القنوات، بل محل منافسة شديدة لقطف السبق الصحافي الذي كاد يُحدث كارثة حين روّجت هذه القنوات أنّ المخطوفين قضوا في غارة على مكان وجودهم. هذه الخفة في التعاطي مع هذا الملف أحياناً، عززته تصريحات بعض أهل الساسة أظهرت كأنّهم لا يعيرون اهتماماً لمعاناة أهالي المخطوفين.
وجاءت حادثة خطف الطيّارين التركيين الجمعة الفائت، لتحرّك عجلة القضية والدفع أكثر صوب المفاوضات، لكنّها في المقابل أحدثت شرخاً في الأوساط الإعلامية؛ إذ انقسمت الأخيرة تبعاً لغاياتها السياسية، متناسيةً معاناة أهالي المخطوفين اللبنانيين، فسُيِّست الحادثة، وخصوصاً لجهة ربط مكان الخطف بـ«حزب الله» الذي يسيطر على منطقة طريق المطار برأي هؤلاء. في البداية، انتشر مصطلح «مخطوفو إعزاز» بقوة في هذه الوسائل مع تجهيل هوية الخاطفين والدول المتورّطة في الملف. سريعاً، زُرعت الكاميرات في بئر العبد وحيّ السلم، مقري «حملة بدر الكبرى» و«حملة الصدر». ثم بدأ انتظار المراسلين تحسباً لأي جديد. حتى إنه صودف في يوم اختطاف التركيين أن قطع تلفزيون «الجديد» برامجه لينقل مشهد المفرقعات في بئر العبد في ملحق عاجل جعل المشاهد يخال أنّ أمراً خطيراً قد حدث. ومع توالي المستجدات في اليومين الماضيين على خلفية خطف التركيين واحتجاز فرع المعلومات الشاب محمد صالح للاشتباه بضلوعه في هذه العملية، واستنفار أهالي المخطوفين اللبنانيين والتهديد بخطف أي تركي يلتقون به.... غرقت الشاشات في انقسام وتشرذم واضحين.
حتى إنّ بعضها ذهب بعيداً في الحرص على المصالح التركية وضرب عرض الحائط بقضية المخطوفين اللبنانيين التي ناهزت 15 شهراً من الاحتجاز. قناة «المستقبل» كانت في طليعة المتحاملين. راحت تكيل التقارير الإخبارية، مهولةً بعظائم الأمور اقتصادياً، فبرأيها لبنان «سيخسر مليار دولار سنوياً جراء تضرر التبادل التركي ــ اللبناني»! ومن البوابة الأمنية، دخلت القناة الزرقاء لإحداث المزيد من التهويل، فعنونت أحد تقاريرها: «هل يسقط المطار أمنياً؟ من يحاول وضع مطار رفيق الحريري الدولي في قبضة أمنية تحاول توظيف البلد على إيقاع مصالحها الإقليمية؟»، وترافق ذلك مع بروباغندا تفيد بأنّ اختطاف التركيين «أساء إلى العلاقات بين البلدين»، وصولاً إلى معزوفة أنّ عملية الاختطاف «شوهّت صورة لبنان عالمياً». كذلك، راحت mtv تتحدث في مقدمة نشرتها أمس عن «شريعة الغاب وحياة الناس التي باتت عرضة لأمزجة الزعران»، فيما ركّزت «المنار» وnbn وotv على جهود الرئيس نبيه بري «بضبط الأمور كي لا تفلت في الشارع». أما «الجديد»، فسخر من عمليات التعقب التي يجريها فرع المعلومات عن المتورطين في خطف التركيين وقالت: «ربما يحظى هؤلاء بالتركيين في أحد الأزقة العامة».