تعيش مصر حالة من التجاذب السياسي. ورغم مرور أكثر من شهر على عزل الرئيس محمد مرسي، إلا أنّ العديد من أنصاره لا يزالون يحلمون بعودته إلى «قصر الاتحادية»، فيما يحلم السواد الأعظم من الشعب بحياة أفضل بعد التخلّص من كابوس الجماعة. «الأخبار» استطلعت رأي عدد من المثقفين والكتّاب المصريين حول الأوضاع. ورغم تفاوت الإجابات بين التفاؤل والحيطة والحذر، إلا أنّ الجميع أكّدوا أنّ الضامن الحقيقي لعدم مصادرة حرية المصريين هو استمرار الحس الثوري في الشارع.
ولم يبد هؤلاء مخاوفهم من العسكر، فيما اتفق أغلبهم على أنّ الولايات المتحدة لن ترفع يدها عن مصر، بل تبحث عن رجلها الجديد، بعدما فقدت نظاماً حليفاً هو الإخوان.
الدوامة لم تنته بعد! هكذا يقول جابر عصفور، مضيفاً «طوال 30 عاماً، شدّدتُ في كتاباتي على أنّ التعصب الديني لا ينتشر إلا في مناخ استبدادي، وفي ظل حكومات ديكتاتورية. عبر توفير الجو الديموقراطي، فإنّ التعصب إلى زوال. وثمة مقولة تراثية نصها «الدين بالمُلك يقوى، والمُلك بالدين يبقى»، أي أنّ هناك تحالفاً دائماً بين رجال الدين والملوك والسلاطين والرؤساء الذين يتسمون بالاستبداد. بعد تظاهرات «30 يونيو» وسقوط الإخوان، أرى أنّ أي دعوة للمصالحة الوطنية مرحّب بها دوماً، شرط ألا تكون باباً للإفلات من المحاسبة على جرائم يعاقب عليها القانون. أما المتخوفون من مصادرة الجيش للحياة السياسية، فأقول لهم إنّه حتى الآن، تسير الأمور نحو دولة مدنية وديموقراطية حديثة». يتفق الشاعر سيد حجاب مع عصفور بأنّ «علينا التركيز على وضع الأسس الصحيحة لدولة مدنية ديموقراطية حديثة في دستورنا المقبل. أنا شديد التفاؤل، فقد وصلنا إلى تشكيل وزاري ضمّ قوى ثورية تنتمي إلى الشارع. أما المسائل المتعلقة باستراتيجية الثقافة والمستقبل، فهي مهمة أول حكومة ثورية حقيقية بعد وضع الدستور وانتهاء الفترة الانتقالية».
يبدأ الروائي والكاتب جمال الغيطاني حديثه بكلمة واحدة «الاحتجاج». هو يعتبر أنّه يجب مواصلة التظاهرات حتى وضع الأمور في نصابها، مع «المناقشة الجريئة لعلاقة الدين بالدولة، ووضعية ذلك في الدستور الجديد، ما يتطلب حلّ الأحزاب الدينية فوراً، فأقدم الديموقراطيات وأعرقها لا تسمح بذلك أبداً. الجماهير خرجت في 30 يونيو ضد الدولة الدينية، وأي ابتعاد عن ذلك خيانة للثورة». لكنّ الاحتجاج هو أيضاً «كي لا تأخذ أميركا فرصة لترتيب أوراقها وتجنيد «رجلها» الذي سيكون ليبرالياً هذه المرة. ولأنني أعوّل على الشباب، وخصوصاً «حركة تمرد»، فعليهم أن يعيدوا الزخم الثوري والاحتجاجي إلى الشارع». توافق منى برنس على ذلك. الكاتبة التي تعرّضت لهجمة ظلامية في «جامعة السويس» (الأخبار 9/5/2013) ترى أنّه يجب مواصلة الثورة، وأنّ «العبء الأكبر الذي علينا مواجهته هو تخليص الهوية المصرية من التشويه الذي تعرضت له خلال السنوات الماضية نتيجة فتح الباب لكل مدّعي التدين والمشيخة».
من جهته، ينظر محمود قرني إلى الأمور من زاويتها الأوسع. الشاعر والكاتب المصري يرى أنّ أسئلة ما سمّي الربيع العربي تبدو الأكثر إلحاحاً اليوم «بعد فشل حكم الإسلام السياسي. من هنا، فإنّ الوضع السياسي في مصر له تأثيراته في محيطه الإقليمي، وخصوصاً أنّ الأوضاع مرشحة للتصاعد. وأعتقد أنّ عودة الدولة الوطنية في مصر إلى قوامها الأصيل ستكون كفيلة بالرد على السؤال عن رجل أميركا المقبل في مصر، أو بلورة موقف قومي ينزع إلى المقاومة ضد العدو الصهيوني. الواقع السياسي المصري أجاب عن تلك الفرضيات على المستويين الشعبي والرسمي طوال السنوات العشرين الأخيرة. على المستوى الثقافي، أعتقد أنّ نهر الثقافة المصرية يستعصي على التدجين لأنّ البؤرة المركزية فيها هي التعدد والتنوع. وقد سعت الجماعة إلى اختصار الميراث الحضاري المصري في حقبة الفتح العربي. ورغم تقديرنا لهذه الحقبة في تاريخ مصر، إلا أنّ حصره بذلك يعني احتقاراً لما عداه من تواريخ ومعارف في لحظة يستحيل فيها أن تحوز هذه الأفكار الأحادية إجماعاً وطنياً، ما كان يعني ببساطة إصراراً على إعادة إنتاج النموذج القمعي للدولة الشمولية باسم الدين».