أعلن صنّاع الدراما السورية أنّهم سيقدّمون سبعة مسلسلات كوميدية هذا الموسم، فتفاءل الجمهور خيراً، وظنّ أنها مجابهة لليأس ورفضاً قاطعاً لشلال الدماء ومحاولة لتخفيف وطأة الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. لكن مع اقتراب نهاية رمضان، صار واضحاً أنّ الإرباك كان السمة الأبرز لتلك الأعمال، إضافة إلى غرقها في أفكار مستنسخة لم تتمكن من انتزاع ضحكة من جمهور ملّ مشاهد القتل، أو التحوّل إلى مادة مسلية وممتعة يترقب المشاهد مواعيد عرضها، كما حصل مع مسلسلات جذبت الانتباه حتى في ظروف حالكة. جردة سريعة على الأعمال الكوميدية تؤكد أن واحداً فقط مرّ بسلام هو «حدود شقيقة»، بينما البقية لم يسمع بها أحد، على الأقل خارج سوريا. مثلاً، تتحفنا شركة «جومان» بباكورة إنتاجها «خرزة زرقاء»، والعمل كوميديا بيئية كتبها شادي كيوان معتمداً على قصص من مجتمع ريف السويداء أو هكذا كانت النيات. لكن النتيجة جاءت مخالفة، لأنّنا أمام محاولة استنساخ مسلسل «الخربة» الذي قدم عام 2011. نحن هنا أمام قصص سطحية ومشاهد مطوّلة ومحاولات خاوية للعب على اللهجة التي أضحكت الجمهور قبل عامين عندما كان هناك نص متماسك وقصة طريفة كتبها ممدوح حمادة. ورغم أنّ «خرزة زرقاء» استعار بعضاً من ممثلي «الخربة» كمحمد خير الجراح وممدوح الأطرش، وصوِّر في ريف السويداء الآمن، مر مرور الكرام. لكن يبقى هذا العمل على تواضعه مجرد نقطة في بحر سلسلة الأزياء «صبايا 5» التي يقسم أصحابها أنهم لن يتوقفوا عن جلد الجمهور بسذاجة المادة الفنية التي يقدمونها وغرقها في الادعاء. في هذا المسلسل، اختار المخرج الأردني محمود الدوايمة إكمال المشروع الذهبي للسيناريست نور الشيشكلي مجافياً الواقع ومتفرّغاً لافتعال قصص لنجمات يحق لهن الاحتفاء بجمالهن المصنع من دون معرفة حقيقية بمعنى فن التمثيل من خلال سلسلة قد تكون صالحة لعرض الأزياء أكثر من أن تكون مسلسلاً درامياً. هكذا، نتابع «الستار دادو» (جيني إسبر) وقد قررت الانتقال إلى لبنان، وغرقت في قصص سخيفة، لتلعب إسبر دور الراوي في الحلقات الأولى رغم تعثرها في مخارج الحروف بشكل دائم. كل ما يمكن أن يتابعه الجمهور وسط التصنع والافتعال الممجوج في الأداء هو فساتين وأزياء وماكياجات حديثة وعمليات تجميل لنجمات العمل: هبة نور، وليليا الأطرش، وستيفاني سالم، ونادين ولسن نجيم، فيما سيكون المبرر الوحيد لتنقّل فريق «صبايا 5» في الدول العربية واستبدال نجماته، ثم الخلطة العجيبة لمجموعة اللهجات العربية التي يظهر بها، هو استجابة للمعطيات الإنتاجية ليس أكثر، ما دام العمل مجرد صفقة تجارية. صرعة الأزياء والجمال التي أطلقت «صبايا» راقت المخرج تامر إسحق، فراح يركز في مسلسله «زنود الست 2» على جمال وأزياء ممثلات يعبرن في الحلقات المنفصلة المتصلة للعمل من أجل جمالهن، فحوّل المسلسل الذي يفترض أن يقدم طبق رمضان على شكل قصة خفيفة إلى وجبات أزياء للينا دياب، ومديحة كنيفاتي، وهبة نور... فيما وقع ياسر العظمة في مطبّ تكرار نفسه عندما قرر استنساخ جزء جديد من «مرايا» الذي اعتاد إنجازه بالطريقة ذاتها منذ الثمانينيات. ولم تنفع محاولات المخرج عامر فهد ولا ضغط الحلقة إلى 20 دقيقة ولا مواقع التصوير الطبيعية في الجزائر في إنقاذ السلسلة الشهيرة من التكرار. وتبقى التجربة الخاصة من كوميديا الـFarce (الكركتيرات المبالغ فيها) في مسلسل «حدود شقيقة» (تأليف حازم سليمان وإخراج أسامة الحمد) الذي حظي بنسبة مشاهدة جيدة. حرص الحمد على النص المتقن لسليمان وقدمه بأمانة وبرؤية نقدية صدامية للوجود السوري على أرض لبنان خلال ثلاثة عقود. نتابع رأس النظام السوري في سلوكيات مختار «إم النار» (يلعب دوره باسم ياخور). وقد أخذ بعض المشاهدين على نجم «ضيعة ضايعة» تكرار نفسه وتشابه أدائه مع بعض الأعمال السابقة، لكن في الحقيقة، تبدو واضحة جهود ياخور لتقديم مقترحات جديدة للشخصية على مستوى الشكل والأداء، لكن نمط هذه الشخصيات يفرض أحياناً أداءً متشابهاً إلى حد ما. وإن أخذ على العمل المباشرة الزائدة في إسقاطاته المكشوفة، إلا أنّه امتلك جرأة الخوض في غمار السياسة وعلاقة البلدين الجارين بطريقة ذكية، من دون النأي بالنفس عمّا يحدث من زلازل في المنطقة، ومن دون الوقوع في الإرباك الذي تعثّرت فيه الأعمال التي تحاول تقديم رؤية فنية عن الأزمة التي تضرب الشام.
* «حدود شقيقة» على «الجديد» (19:00)، «سما» (20:00).
* «مرايا 2013» على «الفضائية السورية» (17:30)
* «صبايا» على «روتانا خليجية» (20:00)، «روتانا مصرية» (12:30)، «روتانا أفلام» (00:00)، OTV (22:15)، «الفضائية السورية» (00:50)
* «زنود الست» على «سوريا دراما» (14:10)
«خرزة زرقاء» على «سوريا دراما» (19.00)



رقابة في الشام

تلقّى التلفزيون السوري تعليمات بعدم عرض «حدود شقيقة». لكن قناة «سما» الموالية للنظام فاجأت المشاهدين بعرضه، رغم أننا نلمس إقحاماً طريفاً لشخصية المستشار (جمال العلي) وهو يتحدث اللهجة الحورانية، في إشارة إلى إحدى أشهر شخصيات النظام السوري، فيما تميّز المسلسل بأداء نخبة من نجوم الكوميديا السورية كمحمد حداقي وأحمد الأحمد، وتقديم صاحبة الشركة المنتجة (فردوس) الممثلة لورا أبو أسعد دوراً جديداً. كذلك، أجاد بعض الممثلين اللبنانيين تصوير الانقسام الذي يعيشه لبنان وتبعيته للنظام السوري، إذ برع غبريال يمين في دور المختار، وتفرد مجدي مشموشي بأداء كشف للمرة الأولى قدراته المتميّزة في الكوميديا.