أحمد الأسير يضرب من جديد. كنّا نعيش على أعصابنا في أنتظار بارقة أمل، فجاء التلفزيون وزفّ لنا النبأ السعيد. شكراً lbci و«الجديد» على هذا السبق الصحافي الفريد. التلفزيون الذي اخترع المسخ من أساسه، يبعثه حيّاً في المشهد السياسي المخلخل والمتصدّع. انتهى التشويق إذاً، لقد عاد بطلنا المفضّل، بالصوت فقط، ليبشرنا بأنّه عائد قريباً بالصوت والصورة ولحيته التي تقطر دماً.
الأسير بخير، لقد سمعنا صوته. الأسير بخير، إذاً الإعلام اللبناني بخير، ونسبة المشاهدة أيضاً. في هذا السيرك المجنون، ليس السلم الأهلي هو الأهمّ، بل عدد المشاهدين الذين يتهيّجون على موتهم. أيّها اللبنانيون، الأسير عائد ليضيء حياتكم بالفرح والنشوة والتفاؤل. والإعلام سيساعده في هذه المهمّة النبيلة، من أجل بناء الجمهوريّة الفاضلة التي تحلمون بها. لبنان وطن النجوم، لا ينقصه سوى قليل من التنقية الإتنيّة، وبيمشي الحال. لاحظوا أن المشعوذ الدموي اختار أن يفاجئنا بواسطة البوسطجي الكسول والبليد والانتهازي الذي اسمه التلفزيون، في لحظة مفصليّة من تاريخنا. الأمّة العربيّة تتنفّس الصعداء، وشعب مصر يحتفل في الشوارع بعد تخلّصه من كابوس الظلاميّة ورعاتها، وإن كانت تنتظره مرحلة انتقاليّة صعبة. وفي هذه الأثناء يطلّ الأسير ليذكرنا بوجوده: لا تسارعوا إلى الابتهاج، يقول لنا، هل تصوّرتم أنكم تخلّصتم بهذه السهولة من شبح الفتنة؟ ما دام التلفزيون موجوداً، فأنا هنا، والفتنة أيضاً. الأسير بطل اللبنانيين المفضّل. شعب مازوشي يشتهي الدم، وإعلام مسؤول يرعى المذبحة وينظّمها. هل هناك من فكّر في أن المراسلين الذين اعتديَ عليهم أمس في عبرا (راجع بيان «مهارات» على موقعنا)، يدفعون ثمن تهوّر مؤسساتهم، وإصرارها على مراقصة المهرّج الدموي؟ نحن ندرك أن المسؤوليّة جماعيّة، ولا يجوز أن نلقي باللوم على مؤسسة دون سواها. فالنظام الإعلامي مضروب ويفتقر إلى القواعد والمعايير، تماماً مثل الحياة السياسيّة. الإعلام كلّه في قفص الاتهام. ما الذي يرغمنا على بثّ وثيقة أو تسجيل لا نعرف من أرسله، ولماذا أرسل، إذا كنّا نعرف قدرته على الأذى، وعلى الإساءة إلى المصلحة العامة؟ ترى ما كان سيحدث لو أخذت إدارة إحدى المحطّتين موقفاً أخلاقيّاً، وقرّرت عدم بث التسجيل المسموم الذي أخطأ المهرّج حتّى في تأريخه (الخميس ٥ تمّوز)، أو اكتفت بالإشارة إليه بشكل عابر في نهاية النشرة؟ هل كانت ستخسر مشاهديها؟ هل كان الرأي العام سيُحرَم فعلاً حقَّه في الوصول إلى المعلومات؟ هل كانت ستسيء إلى حريّة الإعلام؟ كلا ليست سياسة النعامة، فالتلفزيون يصنع الحدث! في هذه اللعبة الفاوستيّة المقلقة، من يستعمل الآخر: التلفزيون أم تاجر الفتنة؟

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@