القاهرة | لطالما طبّق «ماسبيرو» المثل الشهير: «اللي يتجوّز أمي، أقول له يا عمي». لكنّ مبنى التلفزيون الرسمي العريق المطلّ على نيل القاهرة، خالف التوقعات هذه المرة. لعلّ ذلك عائد إلى الاحتجاجات المستمرة داخل المبنى ضد سياسات وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود. لكن يظلّ ما جرى بعد بيان القوات المسلحة المصرية الموجّهة إلى القوى السياسية عصر الاثنين الأول من تموز (يوليو) نقطةً مفصليةً داخل «ماسبيرو»، وخصوصاً قناة «النيل للأخبار». تفاصيل ما حدث حصلت عليها «الأخبار» من مصادر عدة داخل المبنى، ولاحظها مقدّمو برامج الـ«توك شو» مساء اليوم نفسه. كان محرّرو الأخبار قد تلقوا تعليمات بعدم تكرار بثّ بيان الجيش الذي منح مهلة 48 ساعة (تنتهي عصر اليوم الأربعاء) للقوى السياسية، قبل أن يتولّى بنفسه رسم خريطة الطريق وفرضها على الجميع. لكنّ محرّري قناة «النيل للأخبار» رفضوا الاستجابة للتعليمات وأجروا اتصالات بقيادة القوات المسلحة التي أرسلت مندوبين لها للجلوس داخل الكونترول والإشراف على بثّ كل ما يتعلق بتحرّكات الجيش. كذلك رفض محرّرو قطاع الأخبار الذي يوفّر النشرات الإخبارية للقنوات الأولى والثانية والفضائية المصرية الامتثال لأوامر رؤسائهم، خوفاً من أن يتعرّضوا لغضب الشعب مجدداً بعد سقوط محمد مرسي. كان واضحاً أنّ بيان الرئاسة الذي جاء تعليقاً على بيان الجيش، لم يحظ بفرص عرض كبيرة سواء على شاشة التلفزيون المصري أو القنوات غير الحكومة. لكن قناة «النيل للأخبار» قامت بتحرك أكثر جرأة لفت انتباه الإعلامي عمرو أديب على قناة «اليوم» (شبكة أوربت)، وهو تقسيم الشاشة إلى ثلاثة مربعات ترصد التظاهرات في أنحاء مصر ليس من بينها ــ للمرة الأولى ــ تظاهرات رابعة العدوية المؤيدة للرئيس. ومنذ بيان الجيش، تغيّرت أساليب تعامل ممثلي النظام داخل «ماسبيرو» كلياً وتوقفوا عن الضغط على المذيعين ومحرري الأخبار لتلوين المضمون بما يخدم النظام. الحدث الأبرز كان خروج وزير الإعلام صلاح عبد المقصود من أحد أبواب «ماسبيرو» الخلفية بعدما نصحه الأمن بذلك خوفاً من انتفاضة مفاجأة ضده قد تؤدي إلى حصاره داخل مكتبه في وزارة الإعلام التي تحتل الدور التاسع من المبنى الشهير.
بينما نشرت مواقع إخبارية ما يؤكد أنّ مستشارة الرئيس المصري باكينام الشرقاوي أجرت مكالمة هاتفية برئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري إبراهيم الصياد هددت فيها بالانتقام من العاملين في تحرير الأخبار فور انتهاء الازمة رداً على تغطيتهم المنحازة للشارع المعارض. وبعيداً عن «ماسبيرو»، احتفت كل القنوات الخاصة المناهضة للنظام التي هددها رجال مرسي بالغلق قبل يومين فقط ببيان الجيش واعتبرته انتصاراً لتظاهرات «30 يونيو». وأعادت هذه المحطات بثّ البيان مرات عدة ونقلت احتفالات الجماهير في الميادين بالبيان وترحيبهم بقرارات الجيش المتوقعة. فيما بثّت قناة «سي. بي. سي» مقطع فيديو أثار غضب جماعة الإخوان، واعتبره المتحدث الرسمي للجماعة جهاد الحداد دليلاً على انحياز الجيش الواضح للمعارضة. التُقط مقطع الفيديو من طائرة مروحية وصوَّر بوضوح الحشود الضخمة في شوارع القاهرة. وهي امكانية لا تتوافر لأي قناة في مصر. لذا، كان واضحاً أنّ الجيش هو الذي أهدى الفيديو للقناة بشكل ألهم المشاهدين، وأقنعهم بأنّ الحشود التي خرجت ضد مرسي هي الأكبر فعلًا في تاريخ الشرق الأوسط من دون الحاجة إلى دلائل أخرى لا يفهمونها جيداً مثل «غوغل إيرث».
الصحافة الخاصة أيضاً انحازت إلى الشارع ضد الإخوان، وهو ما عبرت عنه جريدة «التحرير» في عنوانها الرئيسي صباح أمس، إذ جاء فيه: «الجيش انحاز إلى الشعب، مصر غداً بلا مرسي». بينما واصلت الصحف الحكومية تحفظها، فاختارت جريدة المساء عنوان «مصر في خطر»، بينما اختارت جريدة «الأهرام» عنوان «الإنذار الأخير» تعليقاً على المهلة التي منحها الجيش لكلّ القوى السياسية.