القاهرة | «من واجبي كمعلم..» يقول الرئيس محمد مرسي في خطبة الثلاث ساعات، ثم يشعر أنّ «معلّم» ليست كافية، فيضيف «واجبي كعالم.. أن أعترف بخطئي». يتابع الرئيس الإخواني خطبته التي لم يعترف خلالها بأي خطأ، بل اكتفى بتوزيع الاتهامات وسط تهليل عشيرته، إلى أن تنفس الإعلاميون الصعداء بعد انتهاء الخطاب الذي ظنوه لن ينتهي، وسبّب تأخير برامجهم واستوديوهاتهم التحليلية وسهر ضيوفهم ومشاهديهم، لكن ليس قبل أن ينهي مرسي خطبته بأن أخرج ورقة صغيرة من جيبه، ليقرأ منها عدداً من قصار الآيات. كان هذا غريباً بعض الشيء على صورة رئيس تركزت دعايته على أنّه «حافظ للقرآن».
«حافظ القرآن» يقرآ الآيات من الورقة، وتتكوّن خطبه من سلسلة ممتدة من أخطاء النحو، فضلاً عن استخدام عامية تسيء إلى عامية صلاح جاهين والأبنودي، وقد اشتهر بلغته الإنكليزية العجيبة، رغم قضائه سنوات دارساً في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد افتضاح كذب الدعاية التي زعمت أنه كان مستشاراً في وكالة «ناسا»، لا يجد غضاضة في أن يصف نفسه بالـ«عالم». وهي صفة يتواضع أي عالم حقيقي عن أن يسبغها على نفسه. يقدم أحمد زويل نفسه بوصفه أستاذ الكيمياء في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا». فاروق الباز يفضّل ذكر أنه مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في «جامعة بوسطن». لكن «العالم» محمد مرسي، أستاذ الهندسة في «جامعة المنوفية»، ينتمي إلى ثقافة أخرى ظل يغازلها طوال اللقاء، ثقافة «لحوم العلماء مسمومة». لكن «العلماء» هنا من نوع آخر، نوع يتربع على قمته «العالم» أبو إسحق الحويني و«العالم» محمد حسان، وغيرهم من نجوم المؤتمرات السياسية ــ الدينية للرئيس مرسي. علماء الدعاء على الكافرين و«طرد الروافض الأنجاس» الذين أدى تطبيق «علومهم» إلى «مذبحة الشيعة» المروعة في قرية أبو النمرس جنوبي القاهرة. مذبحة وقعت قبل يومين فقط من خطاب «العالم» مرسي، فلم يتطرق إليها في خطابه من قريب أو بعيد، ربما كي لا يفتضح موقف مناصريه الذين ملأوا القاعة، وكي لا تنكشف «مشاعرهم» تجاه ضحايا المذبحة.
ألقى مرسي خطابه استباقاً لتظاهرات «30 يونيو»، لكن الخطاب نفسه كأنما جاء تفصيلاً ــ لا تلخيصاً ــ للخطايا التي من أجلها تقررت التظاهرات، وبسببها نشأت الرغبة في خلع كل ذلك الزيف والادعاء والفشل، وذلك النفس الشمولي البادي في تهديد المعارضة والقضاء والإعلام، وذلك التدهور في اللغة وفي السياسة، الذي يصل إلى حد ذكر أسماء «بلطجية» محليين في خطبة يتابعها الملايين في مصر والعالم العربي، قضاها الرئيس في تفسير تسريب «جراكن البنزين» (براميل البنزين) التي عرف به لا عن طريق الأجهزة الرقابية، بل عبر «تليفون صغير معايا كده بيكلموني عليه»، ومحاولات بائسة لتقليد جمال عبد الناصر حين ناشد المصريين «نخفّض استهلاكنا شوية». لكنّ ناصر آنذاك كان يفعلها في مواجهة الضغوط الأميركية «عشان ما نخسرش استقلالنا الوطني». لم يكن واقفاً على منبر الرئاسة ليتملق أمير دويلة قطر (تأسست عام 1971).
تندلع تظاهرات «30 يونيو» لأنّ «الرئيس العالم» يسيء إلى السياسة والعلم معاً، وإلى الثقافة بمعناها المعرفي، ومعناها الهوياتي أيضاً، إذ لم ينجح الرئيس سوى في تفتيت المجتمع، كان هذا هو «العلم» الوحيد الذي برع فيه.