يفتتح ياسين رفاعية روايته «سوريّو جسر الكولا» (شركة المطبوعات للنشر) بموت عامل سوري تحت جسر الكولا وإلقاء جثته في القمامة بعد سلب نقوده. سينفتح الباب أمام حوادث قتل، وخطف، واغتصاب، وعنصرية لمئات العمال السوريين الذين أتوا إلى لبنان لسوء أوضاعهم. عمّال تراحيل يعيشون ظروفاً لا إنسانية: بوابون، وماسحو أحذية، وعمّال بناء، تتناسل حكاياتهم المأسوية، ثم تشتبك تحت وطأة الخوف من الانتقام، إثر اغتيال رفيق الحريري؛ إذ بات العامل السوري هدفاً للقتل المجاني بذريعة أن النظام السوري كان وراء اغتياله. ماسح أحذية في الحمرا، وآخر في «مقهى الروضة» على البحر يختزلان واقع هؤلاء العمال، فليس مسموحاً للسوري أن يرفع رأسه، كما في حكاية البوّاب خالد وهو يرقب المصعد في الطبقة الـ 13، بانتظار هبوطه بسلمى ابنة صاحب العمارة التي يعشقها سرّاً، فيما يقطن هو غرفة في القبو.

كراهية اللبناني للسوري تاريخية، وفقاً لمجريات هذه الرواية. يوثّق الروائي السوري، المقيم في لبنان، منذ عقود، حالات واقعية عن مصائر معلّقة بين الموت، والعيش في حدوده الدنيا، فهو يمزج بين الحكايات الشفوية، والوثائق، والإحصاءات، والشهادات، وإذا بنا أمام شريط من البؤس والمآسي والإهمال لبشر وجدوا أنفسهم في العراء، وستكتمل دائرة النفي، بعد اندلاع شرارة الحراك في سوريا، فكل سوري متهم سلفاً باللصوصية والجريمة وتبعيته للنظام، حتى لو كان معارضاً، وخصوصاً بعد موجة النزوح الجماعية إلى لبنان؛ إذ يصف نائب لبناني هؤلاء النازحين بالحشرات. هكذا وقعوا في مصيدة الحملات العنصرية التي أشعلتها المنابر الإعلامية اللبنانية. جسر الكولا الذي شهد موت عامل عجوز كان ينتظر حافلة تقله إلى قريته في الشمال السوري، سيحتشد في نهاية الرواية بعشرات العمال السوريين الذين قرروا العودة إلى بلادهم فزعاً من موت مؤكد. مشى الباص بحمولة تفوق احتماله. وعند وصوله إلى جسر المديرج، انفجرت العجلة الأمامية، قبل أن يهوي الباص في الوادي مصطدماً بالصخور «وتحوّل ركابه أشلاء متناثرة». يلجأ رفاعية إلى تقنية الحكواتي في السرد، وإن لم يكن بين أبطاله شخصيات مثل عنترة وعبلة والزير سالم. هنا بشر مهمشون لفظتهم بلادهم، ولم يجدوا مصيراً أفضل في بلاد أخرى. تراجيديا لا تصلح للخشبة، فهذه الشخصيات المهملة عاشت في الكواليس من دون أن يصفّق لها أحد، واختفاء مئات العمال السوريين في لبنان، لم يكن يوماً إلا قضية لطالما قُيّدتْ ضد مجهول.