لعلّ ما حدث أمس يعبّر خير تعبير عن حال الإعلام اللبناني. خلاف بين شخصين وظيفتهما تأمين الجمهور للبرامج التلفزيونيّة، مقابل بضعة دولارات على الشخص، تحوّل إلى قضيّة كادت أن تهدّد السلم الأهلي في هذا المناخ المشحون أصلاً. صوّرت الشاشات المحليّة الأمر كأنّ اشتباكات عبرا انتقلت إلى المنطقة المعروفة بسوق الأحد (الفيات ـــ سنّ الفيل). راحت المحطات التلفزيونيّة تمطرنا بأخبارها العاجلة، مروّجةً معلومات مغلوطة بنيت على تحليلات تناسب ربما ظروف البلد الذي يعيش فوق صفيح ساخن. والشائعات الأخطر تناقلتها بعض المواقع الإلكترونية، من بينها «إصابة 25 فناناً سوريّاً طعناً بالسكاكين في هجوم»، فيما أوردت محطة معروفة خبر طعن بالسكاكين «وفرار الفاعلين إلى الضاحية».
لكن كل ما في الأمر، أنّ إحدى شركات الإنتاج اتفقت مع إحدى الجهات التي تعمل على تأمين الجمهور للبرامج من الجنسيّات اللبنانيّة والسورية والفلسطينيّة، على أن تؤمن عدداً معيناً من الأشخاص لا يتجاوزون 60 لحضور برنامج «الربح بالإيد» في الاستديوهات الجديدة لقناة IFilm الإيرانية في منطقة الحازميّة. وشاءت الصدف أن يُدعى كاتب هذه السطور ليكون ضيفاً على الحلقة الصباحيّة من البرنامج، الذي يقدّمه الممثل عدي رعد. كان موعد وصول الجمهور هو التاسعة صباحاً، أي قبل نحو ساعة من بدء تصوير البرنامج الذي سيعرض في رمضان المقبل.
وبالفعل، جرح نحو 20 شخصاً طعناً بالسكاكين عند جسر الواطي على بعد أمتار من سوق الأحد بعد خلاف بين المسؤولين عن تأمين الجمهور، لكن ما حيك من أخبار حول الحادث مغلوط بل خطر. تضاربت الروايات والاجتهادات، وصعب إحصاء عدد الشائعات التي خرجت خلال ساعتين من الزمن بعد وقوع الحادث. من بين الشائعات، واحدة ادّعت أنّ الاعتداء طال فريق المسلسل السوري «منبر الموتى» (الولادة من الخاصرة 3) ومخرجه سيف الدين السبيعي، وأخرى حكت عن اعتداء تعرّض له المخرج السوري عمّار رضوان الذي يصوّر مسلسل «قيامة البنادق» في بيروت، فيما افترضت شائعة ثالثة أن الاعتداء استهدف فريق قناة «العالم» الإيرانيّة. وبينما نفت القناة الخبر في بيان لها، أكّد المخرجان سيف الدين السبيعي وعمّار رضوان لـ«الأخبار» أنّ الخبر عار من الصحّة. واجتهدت «الوكالة الوطنية للإعلام»، قائلة إنّ سيارتين تابعتين للتلفزيون الإيراني كانتا في مهمة تصوير، وتعرّض مَن بداخلهما لطعنات سكاكين من مجهولين يستقلون 3 سيارات، وما لبثت الوكالة أن صححت خبرها بعد وقت قصير. أما قناة «الجديد»، التي فصلت فريقاً كاملاً للتغطية، فقد حضرت إلى المكان بعد وقت قصير من الحادث، مفيدةً بأنّ «سيارتين توقفتا بجانب باص تابع للتلفزيون الإيراني وصعد 3 أو 4 أشخاص مسلحين إلى الباص، يحملون سكاكين وعمدوا الى طعن الموجودين فيه، ورموا بعض الركاب من النوافذ». وافترض مصدر ثالث أنّ الباص المستهدف يحمل لوحة سوريّة، ويرجح أن يكون ركّابه من السوريين.
إعلام رسمي وخاص متلهّف ليكون الأول في تغطية الخبر... مهما كان الثمن!