إنّهم يرغبون في إخراس الفنانة الفلسطينية أحلام شبلي، فهي تمجّد «الإرهاب» بحسب صهيونيّي فرنسا. قبل أيام، أخلي متحف Jeu de paume في باريس بعد إنذار بوجود قنبلة! وقبلها، حدث الأمر ذاته مع المتحف الذي انتقدته دوائر صهيونية وتظاهرت أمامه، حاملةً أعلام إسرائيل!
معرض «وطن الأشباح» الذي افتتح في 28 أيار (مايو) صار بين ليلة وضحاها في عرف هؤلاء تمجيداً لـ«القتلة والإرهابيين الذين تحاربهم فرنسا في مالي، ويمجّدون هنا» أي في فرنسا على حد تعبير رئيس «المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية» في فرنسا روجيه كوكيرمان. لا يريد ممجّدو إسرائيل أن تصير فرنسا محلاً يُسمع فيه الصوت المخالف لهم، وخصوصاً أن يصدح هذا الصوت في معرض فني، ولو كان صوتاً من الما وراء. يريدونه أشلاء فقط، تتطايرها آنية الحدث الصحافي. يرفضون أن تتحول إلى عمل، وربما إلى «أيقونة» ترسخها الذاكرة الفنية. روجيه كوكيرمان زاد في انتقاده المعرض بالاعتراض على صورة تظهر أمّ منفذ عملية في باص قتل فيها 19 إسرائيلياً. كما أدان صوراً أخرى تقدم منفذي العمليات «على أنهم شهداء، وأنّ العمليات جاءت نتيجة للسياسات الإسرائيلية». لم يتوقّف الصهيوني الخبيث عند هذا الحدّ، بل بعث رسالة إلى وزارة الثقافة الفرنسية، مطالباً بإقفال المعرض. وسائل إعلام مقربة من اللوبي الإسرائيلي انتقدت أيضاً حرية أحلام في إنجاز معرضها. أما رد إدارة المتحف، فكان دفاعاً مبطناً عن الفنانة، ولو أنه أشار إلى أن آراءها تخصها وحدها.
يقدّم «وطن الأشباح» 68 صورة لأقرباء شهداء وأسرى فلسطينيين. الغائب يحضر في صور الفنانة، عبر الآخرين، والملصقات على المباني، والقبور.
الحضور ولو كان عبر الغياب يقلق المنتقدين. لكن إذا كان موقف الرسميين الفرنسيين المتخاذل أمام الموقف المعادي للمعرض نابعاً أصلاً من حساسية الموضوع، فإنّ دعاة الرقابة قابلهم موقف إدانة واضح من طرف مثقفين وفنانين يعتبرون الحرية حقاً مقدّساً. هؤلاء دافعوا عن موقف أحلام شبلي وانتصروا لها ولأعمالها. هكذا، أصدروا بياناً نددوا فيه بكل المحاولات لإغلاق المعرض. وطالب البيان وزارة الثقافة بحماية «الإبداعات الفنية ضحية التهديدات المتكررة، من بينها تهديدات بالقنابل، والتأكيد مجدداً على حرية التعبير الفني، ودعم برمجة «جو دو بوم»». عمر برادة، الناقد الفني ومدير مركز «دار المأمون» للفنون وأحد الموقعين على البيان، كتب أنّ المعرض متقن ومعقد، وأن المنتقدين «لم يأخذوا الوقت الكافي للاطلاع عليه، أو التفكير ولو لدقيقة واحدة».
المعركة الفنية الممتدة من السينما إلى المسرح، مروراً بالتشكيل والأدب والموسيقى صارت منطقة يقدم فيها الفلسطيني جرحه، ويفكك عالمه، ونظرته إلى الآخر. شبلي التي تقيم في حيفا، تزعج أكثر من خلال صورها التي تسائل الذات، والآخر.