هو إشكال فردي (ربما) وردَ ضمن المتفرقات الإخبارية أول من أمس بين شخص من آل الصوص تابع لـ«التنظيم الشعبي الناصري» وبين أنصار الشيخ أحمد الأسير. خبر تحوّل أمس اشتباكاً مسلحاً تبعه كمّ هائل من الشائعات والتضليل من بعض وسائل الإعلام التي فتحت الهواء لمراسليها الموجودين على تخوم مدينة صيدا (جنوب لبنان) أو في أقصى الحالات على بعد كيلومترات عن بلدة عبرا مكان الاشتباكات. هذه الوسائل لم تتوان عن بث الأخبار الكاذبة ثم تقوم بنفيها على الفور.
بينما كانت المناوشات والاشتباكات المسلحة تدور في عبرا مع قطع الطرق، غطت الشاشات المحلية في سبات خرقته أخبار عاجلة تمر بين الفينة والأخرى. كان المشاهدون يتابعون صيحات الموضة على lbci في «حلوة الحياة» ويكتشفون أبراجهم وحظوظهم على nbn، ليدخل «الجديد» بكلّ ثقله مستثمراً هذه اللحظة عبر مراسله رامز القاضي الذي وقف على بولفار صيدا، وراح يشرح طبيعة الاشتباكات ونوعية الأسلحة المستخدمة! وكما فعلت mtv و«المستقبل»، تبنّت قناة «الجديد» فكرة استسقاء المعلومات مما سمّته «الصفحة الرسمية للشيخ الأسير على فايسبوك» التي شكلت مصدراً «موثوقاً» لبث الأخبار والتطورات الميدانية التي سرعان ما بانت على حقيقتها أنها مجرد أكاذيب وشائعات، كخبر اقتحام عناصر من «حزب الله» لفيلا الفنان «التائب» (بحسب تعبير «الجديد») فضل شاكر الذي نفاه في ما بعد. كذلك، بثت «الجديد» خبر اقتحام شقق تابعة للحزب في منطقة عبرا من قبل مسلحي الأسير، فتولت «المنار» نفي الشائعة.
إذاً، حفلة جنون قادتها هذه الشاشات في ضخ المعلومات الواردة بشكل سريع ومضطرب. وسط هذا التعاطي المراهق والسائب للتغطية الإعلامية، برزت مصطلحات تداولتها هذه القنوات في توصيف هوية الطرف المقابل لعناصر الأسير، من «سرايا المقاومة» كما قالت otv، أو «مجموعات حزبية» التي أطلقها مراسل «الميادين» أثناء رسالة له من صيدا، أو تعبير «الأهالي» الذي استخدمته «المنار»، فضاعت «الطاسة» بشأن هوية هؤلاء، لتأتي lbci وتنقل عن مصدر أمني أن «الأسير يشتبك مع نفسه»! هكذا، تظهّر مشهد هشّ ساخر يعكس الاصطفافات السياسية والحزبية لهذه القنوات أو حتى كسلها في التمحّص في هوية من يرد على استفزازات عناصر الأسير المسلحة.
في هذه الأثناء، استعاضت هذه القنوات عن عجزها عن الدخول الى منطقة الاشتباك بعرض صور التقطها هواة من هواتفهم الخلوية تظهر الصور الحيّة للاشتباكات وتنقل أصوات أزيز الرصاص. واللافت أنّ «المؤسسة اللبنانية للإرسال» وضعت الثقل الأساسي في تغطيتها للأحداث عبر موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فعرضت صورة تجمع مسلحين ملثمين مع الأسير.
هكذا، بات التعاطي مع الحدث على هذا النحو من الخفة والمراهقة واعتماد مصادر غير موثوق بصدقيتها ليتم بعدها النفي مراراً، لكن ماذا عن المصداقية؟ أو عن حساسية ما يبث على الشارع ومشاعر الناس؟ ومتى يتحمّل الإعلام مسؤوليته في زمان يتمنى فيه اللبنانيون عدم تخطّي نقطة اللاعودة، والدخول في أتون الحرب الأهلية!؟