على وقع الأمن الهش، والتربة الخصبة لاحتضان الفتنة، تسير بعض القنوات، بل تتراقص على هذا الوتر ضاربةً عرض الحائط بكل اعتبار مهني وأخلاقي وشعور وطني. بكثير من الخفة والاصطياد في الماء العكر، تعاطت هذه الوسائل أول من أمس مع حادثة الكمين المسلح في الجرود الفاصلة بين رأس بعلبك والقاع التي أودت بحياة 4 شبان من آل أمهز وجعفر وآخر من التابعية التركية.
أرادت هذه القنوات تحويل الحادث الى منطلق للفتنة المذهبية، خصوصاً بين أهالي الضحايا وبلدة عرسال التي اتُّهمت بدايةً بأنها المصدّر للمجموعة المجرمة. الأنكى هو تحوّل بعض هذه المحطات الى طرف على خلفية مذهبية وسياسية كما حصل مع «المستقبل» و otv أو ممارسة فعل التشفي السياسي كما فعلت mtv عبر ربط تدخل «حزب الله» في سوريا بما حصل في جرود بعلبك. واكتمل المشهد حين بثّت «الجديد» تقريراً في النشرة المسائية فتح الهواء للسلفيين.
في اللحظات الأولى لخبر الكمين، بدأ الربط بين مكان الجريمة وبلدة عرسال البعيدة عنها جغرافياً كما فعلت mtv وموقع tayyar .org التابع لـ«التيار الوطني الحرّ». أورد الأخير خبراً عاجلاً مفاده «أربعة قتلى من آل جعفر في كمين من عرسال». صبّ الموقع البرتقالي الزيت على النار، خصوصاً مع ارتباط هذه البلدة بجرائم عدة ارتكبت بحقّ الجيش اللبناني واحتضانها للمجموعات المسلحة المعارضة السورية. الاختلاف المذهبي بين المنطقتين مثّل قاعدة انطلقت منها بعض الفضائيات العربية لتعلن «مقتل أربعة من الشيعة» في بعلبك ثم «بشّرتنا» مراسلة «العربية» نسرين حاطوم بـ«ردود فعل من أهالي الضحايا ستحدث في الساعات القادمة»!
الخطاب الإعلامي والسياسي للقنوات المحلية حول الحادثة عزّز الاصطفافات مبرزاً صورة مشرذمة في ما بينها. بينما ربطت mtv بين تدخّل «حزب الله» في سوريا والجريمة، راحت otv تستخدم لغة مذهبية في وصف ما حصل بأنّه اسقاط «للهدنة الهشة مع الجوار الشيعي» وأصرّت على تضليل الرأي العام بأن منطقة الحادثة تقع في جرود عرسال، مستذكرةً المجزرة التي أودت بحياة العسكريين وصبغ هذه المنطقة بكل الأحداث الحاصلة بما فيها حادثة أول من أمس.
في خضم هذه المعمعة، برز تقرير «الجديد» بعنوان «سلفيون لبنانيون قاتلوا في سوريا نصرة لأبناء دينهم» أعدته يمنى فواز مضيئةً على المقاتلين العائدين من القصير من أبي هريرة الى أبو علي، وفتحت الهواء لهم لتبييض صفحتهم عبر ادعائهم أمام الكاميرا «نحن لسنا إرهابيين ولا وحوشاً». ولتكتمل الصورة، ختم التقرير برسالة وجّهها داعي الإسلام الشهال داعياً «الشباب العالم الإسلامي ليجعل من هذا الصيف سياحة جهادية في سوريا»! علماً أنّ ذلك هو ظهوره الثاني على القناة في غضون أسبوعين.
في نهاية النهار الدموي المدموغ بالتحريض والتضليل، اتجهت الأنظار الى حلقة اليوم من «الاتجاه المعاكس» الذي بات محطة تروّج للفتنة وللتحريض. برنامج فيصل القاسم طرح سؤال: «مَن المسؤول عن تحويل الثورة السورية الى صراع سني شيعي؟». ونحن نسأل القاسم: الى متى كل هذا التحريض؟