من بين أفلام الأبطال الخارقين، يبدو أنّ «رجل من حديد» (Man of Steel) هو الأكثر إثارة للجدل. ليس فقط بسبب النزاع القانوني الذي سبق تصويره ومطالبة عائلة جيري سيغل، مبتكر شخصية «سوبرمان» في الثلاثينيات من القرن الماضي، بالحقوق، بل أيضاً لناحية تصويره. بعد Dark man rises الذي تحدث عن نشأة الرجل الوطواط، بات مغرياً كتابة الخلفية التاريخية للأبطال الخارقين.
ولعل هذه الخطوة الذكية هي التي جعلت فيلماً مثل «روبن هود» (2010 ـ بطولة راسل كرو وكيت بلانشيت) يحقق نجاحاً كبيراً، إذ عمد المخرج ريدلي سكوت آنذاك الى إظهار الأحداث المؤسِّسة لأسطورة روبن هود أكثر مما دخل في الأسطورة نفسها. اليوم، يعمد زاك سنايدر إلى دخول اللعبة نفسها، فيأخذنا في «رجل من حديد» (ثلاثي الأبعاد) الى الكوكب الذي ولد فيه الرجل الخارق ويعرّفنا الى الأحداث التي سبّبت دمار الكوكب والنزاعات التي نشأت بين القيادتين السياسية والعسكرية على كوكب كريبتون، ما أدى الى «تهريب» الطفل الخارق كال إل (حسب اسمه الكريبتوني) إلى كوكب الأرض ويقدم تفسيراً لقدراته التي تفوق قدرات البشر. لكن اللافت أنّ كاتب الفيلم دايفيد غوير (كتب سلسلة أفلام باتمان أيضاً) قرر تغيير معنى حرف s الموجود على قميص الرجل، فلم يعد يعني «سوبرمان»، بل هو شعار كوكب كريبتون ويعني الأمل، علماً أنّ كلمة «سوبرمان» تمر في الشريط ككلمة وصفية عابرة ولا يشار فيها إلى كلارك كنت كاسم له. الإخراج الفكري للقصة مثير للاهتمام، إذ تكسر الصورة النمطية عن البطل الخارق، لكن للإخراج الفني قصة أخرى. العمل الجديد يختلف كثيراً عما اعتاد المشاهد أن يراه في أعمال «سوبرمان» السابقة. ثمة اختلاف جذري في كتابة شخصية كلارك الذي يلعب دوره هذه المرة هنري كافيل الذي سبق أن ظهر في أفلام عدة أهمها Immortals وRed Riding Hood، وفي الفيلمين لم يسطع نجمه كثيراً، تماماً كما لم يستطع أن يمحو في عمله الجديد الصورة القوية للشخصية التي أداها جورج ريفز أو حتى براندون روث في النسخات السابقة من «سوبرمان». الشخصية الجديدة لسوبرمان جافة تنقصها الطرافة التي كانت تميّز أدوار سابقيه، وقد تم إضعاف كلارك كنت كثيراً. حتى أنّ أداء كافيل لم يكسر جمود هذه الشخصية فبدا فعلاً من كوكب آخر. هذا الضعف في صنع الشخصية الدرامية ينسحب أيضاً على لويس لاين (آمي أدامز) التي بات دورها أيضاً عادياً كما هو دور راسل كرو في شخصية والد سوبرمان (جور إل)، فقد بدا أيضاً تكملة عدد ولم يضف أي شيء مميز إلى ما كان حققه مارلون براندو في الدور نفسه في النسخات السابقة من العمل. لكن هل هذا الضعف في كتابة الشخصيات كاف للحكم على العمل بالفشل؟ طبعاً لا، لأنّ غوير تعمّد ألا يركز كثيراً على تلك الشخصيات التي سيبرزها أكثر في النسخات المقبلة من «سوبرمان» كما هو واضح. لقد طعّم العمل بالكثير من المحطات التي يمكن أن تستكمل في أعمال لاحقة كدخول كلارك للعمل في مجلة «دايلي بلانيت»، وبدء تخفّيه عن الناس فتكمل النسخات المقبلة وفق النمط الكلاسيكي للسلسلة. من ناحية الإخراج، عالج سنايدر الضعف في الشخصيات عبر جعل شريطه فيلم حركة من الدرجة الأولى، فصنع عملاً سريعاً مشبعاً بالأحداث واللقطات التي تقطع الأنفاس. ولو أنّ الكثير من المشاهد تبدو Déjà vu فثمة لقطات تعيدنا الى فيلم «مايتريكس» بعدما صوِّرت بالأسلوب ذاته، فيما تذكّرنا مشاهد أخرى بـ «مروموثيوس». لكن المؤثرات البصرية والصوتية تجعل الشريط أحد أهم أفلام الحركة التي صدرت هذا العام، لتكون النتيجة عملاً ممتعاً ومشوقاً رغم الثغر التي تشوبه... فهل يستحق المشاهدة؟ أرقام شباك التذاكر سجّلت 150 مليون دولار في أقل من أسبوع على انطلاقه في الولايات المتحدة. ولكم أن تقدروا.



Man of Steel: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)