ثلاثة أسابيع وبضعة أيام من انطلاق البث الرسمي لقناة «تلاقي» السورية كانت كفيلة بالحكم عليها: لقد سقطت في فخّ الإعلام الرسمي واصطفت إلى جانب بقية القنوات الرسمية في تبنّي لغة خشبية، وعقلية تطغى عليها المغالاة في الرقابة والجهل في تقويم الموقف. ورغم تصريح مدير المحطة ماهر الخولي في حديث سابق مع «الأخبار» (24/4/2013) عن الميزات الخاصة للقناة، رغم تبعيتها لوزارة الإعلام، إلا أن تلك الميزات بدت سريعاً أنّها مجرد مجافاة لشكل الإعلام المعاصر، ومحاولة حجب الشمس بأصابع بعض القائمين على هذا المشروع التلفزيوني.
يتضح ذلك من قرار المحطة ـــ في غالبية ساعات بثها ـــ تناسي ما يحصل من معارك دامية في الغوطة الشرقية مثلاً، أي على بعد كيلومترات من مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي يصل إلى الموجودين فيه صوت القصف المتواصل. كذلك، ضربت الفضائية عرض الحائط بكل ما تخلّفه الأزمة الخانقة في البلاد، ليصبح سهلاً أن تطلّ علينا مذيعات جديدات في البرامج الصباحية ليتحدثن عن الموضة والأزياء في استديوهات أنيقة مطلية بألوان زاهية تعبّر عن الفرح، ولا ضير من فقرات موسيقية خاصة كونها غذاء الروح. لكن الطامة الكبرى كانت عندما خصّصت المحطة قبل أيام في برنامج «جريدة الصباح» حوالى ربع ساعة للحديث عن المغنية البلجيكية الكندية لارا فابيان، المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني (الأخبار 31/1/2012). لكنّ ذلك لم يمنع فريق البرنامج من الاستفاضة في الحديث عن أغنيات الفنانة التي سبق أن دعت «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل (لبنان)» إلى مقاطعة حفلتها في «كازينو لبنان» في عيد العشاق العام الماضي (الأخبار 27/1/2012).
ما زاد الطين بلة أنّ المسؤول عن مراقبة التقارير التي تبث على الهواء مباشرة هو الإعلامي السوري خالد مجر الذي لا يعرف تاريخ لارا فابيان، فمر التقرير على الشاشة الرسمية من دون محاسبة. أكثر من ذلك، لقد كوفئ مجر ورقّي ليصبح مديراً للفضائية السورية، بدلاً من مديرتها السابقة سمر شما. وبعد انتهاء الحلقة، انتبهت مقدمة البرنامج تهاني عبود لخطأ البرنامج الفادح، فطلبت من زملائها إعداد اعتذار للمشاهدين. لكنّ أحداً لم يشجعها. مع ذلك، خرجت لتقدم اعتذاراً صريحاً للمشاهدين عن الزلة التي لا تغتفر، وخصوصاً أنّ المحطة أعطت لنفسها الحق في تشويه مسلسل «نزار قباني» (2005) لقمر الزمان علوش، وباسل الخطيب، كونها بدأت بعرض حلقاته، لكن من دون الشارة التي برعت أصالة نصري في أدائها. ليس ذلك فحسب، بل بالغت «تلاقي» في عقلية القص العشوائي وحذفت صوت المطربة نفسها عن المسلسل الكرتوني «حكايات عالمية»! هكذا، يبدو أنّ إدارة المحطة الرسمية التي سبق أن أعلنت أنّها ستعمل جاهدة لتطبيق شعارها «دعوة لنلتقي ولو في منتصف الطريق»، سرعان ما طبقت فيتو على صوت أصالة نصري كونها ذات مواقف مناهضة للنظام السوري، فيما اختارت الاحتفاء بالمغنية المناصرة لإسرائيل. من جانب آخر، تخلّت المحطة عن وعدها بعدم تكرار بث البرامج ذاتها لأكثر من مرتين، وراحت تعيد الحلقات ذاتها مرات ومرات بسبب عجزها عن تأمين ساعات بث كافية. وسجّلت «تلاقي» سابقة في تاريخ البث الفضائي عندما استهلت الأيام الأولى لبثها ببرنامج «سينما كافيه» الذي تقدمه بيلسان أحمد، وقدمت حواراً صامتاً مع المخرج الشاب وسيم السيد. على مدى أكثر من نصف ساعة، حكى السيد للمشاهدين عن مشاريعه المقبلة، لكن من دون صوت! ويبدو أنّ البرنامج ذاته وصل إلى طريق مسدود عندما غاب الثلاثاء الماضي عن موعد بثه من دون مبرر. في المقابل، أوقفت القناة برنامج «محكومون بالأمل» بعد ثلاث حلقات استضافت فيها سامر عمران ومأمون الخطيب. ورغم أنّ البرنامج يقدم حوارات سجالية عن المسرح السوري، وطبيعة علاقة الدولة بالمسرح، ويستضيف مخرجين سوريين مقيمين في دمشق، إلا أنّ ما حصل بحسب معدّ البرنامج الشاعر والصحافي سامر اسماعيل هو إيقاف البرنامج بأمر من مدير المحطة. جاء ذلك على خلفية حلقة ساخنة مع المخرج مأمون الخطيب، قال فيها «نحن السوريين تلاميذ الخوف، والآن صرنا تلاميذ الموت». لعلّ هذا ما أثار حفيظة الرقابة التي أوعزت بشكل خفي لمدير المحطة ماهر الخولي بإيقاف الجزء الثاني من الحلقة. هذا ما يخبرنا به اسماعيل، مضيفاً إنه «لدى سؤاله عن السبب، أجاب الخولي بأنّ مأمون الخطيب لا يستحق جزءاً ثانياً. وعندما أبديت استعدادي لتجهيز حلقة بديلة، رغم تبليغي القرار قبل يوم واحد من موعد البث، كان الرد بإيقاف البرنامج كاملاً». ربما كان من الأجدى بوزارة الإعلام السورية التخلي عن إطلاق محطات جديدة تكرّس نظرية الفشل الدائم التي تلاحقها بسبب عجزها عن الإفادة ولو قيد أنملة من كل الأعاصير التي تضرب من حولها!
الفريق الشاب يحزم الأمتعة
علمت «الأخبار» أنّ الفريق الشاب الذي يدير محطة «تلاقي»، وقد راهنت عليه وزارة الإعلام لإنجاحه، لم يقبض حتى الآن فلساً واحداً من مستحقاته المالية، رغم مرور أشهر على العمل في المرحلة التأسيسية، علماً بأنّ القناة تدفع لمقدمي البرامج حوالى 3500 ليرة سورية (حوالى 22 دولاراً) عن كل حلقة. لكل تلك الأسباب، أعلن بعض المذيعين الشباب في اتصالهم مع «الأخبار» نيتهم التخلي عن «المجد» الإعلامي الموعود وتقديم استقالاتهم تباعاً بعدما ثبت لهم بالدليل القاطع أنهم سيكونون ضحية إعلام رسمي، يقسم القائمون عليه ليل نهار بأن يبقوه بين الحفر على مرّ العصور!
6 تعليق
التعليقات
-
القناة الورطةما هي مواصفات المولود الذي سيولّده طبيب أسنان يعمل في الاعلام في وقت الفراغ؟.... تلاقي!!!!!! من يعرف قصة هذه القناة سيجد العذر لأخطاء القائمين عليها وليس على احد.. القناة بدأت فكرتها عندما طالب احد مدراء القناة الأرضية بتحويلها الى فضائية فجاءت النتيجة( للتريث) وعندما قررت إدارة قمر النايل سات وقف بث القنوات السورية الرسمية منتصف ٢٠١١ تم رفع العتب بأنه لو كانت هناك قناة بديلة لما كان لقرار وقف البث من النايل سات اي مفعول.!!! وهكذا بُدء بتجهيز قناتين بديلتين: تلاقي وعروبة.. فهي قناة احتياط وظلت على مقعد الاحتياط الى ان جاء الدعم لأحدهم بضرورة إعادته مديرا للقناة الأرضية فتم إعفاء مدير القناة الأرضية حينها ماهر خولي ووجدوا له موقعا هو مدير تلاقي وبعد عملية قيصرية من الدكتور خولي( هو طبيب أسنان) انطلقت تلاقي.. فما هي مواصفات المولود الذي سيولّده طبيب أسنان يعمل في الاعلام في وقت الفراغ؟.... تلاقي!!!!!!
-
إضافة لماسبقأشكر الصحفي المميز وسام كنعان على مقالاته المميزة والجريئة في مواضيع الإعلام والفن .. وبمناسبة الحديث عن القناة إليك الحقائق التالية : الهوية البصرية لقناة تلاقي مسروقة ومقتبسة من هوية قناة الشرقية العراقية بفترة رمضان الماضي بنفس الألوان والتحريك والمفهوم البصري.. البروموشنز الخاصة بالترويج لمفهوم المحطة وبرامجها يخجل منها أي مبتدئ في مجال الإخراج والإعلام أن يقدم هذه الصورة النطية والغبيةالخشبية لإظهار قناة جديدة بهذا الشكل !! ( الماعز والتلفزيون - سكين الصبارة - المدير المرتدي لشورت أحمر .. والكثير المخزي ) !! وهذا لم نتكلم عن البرامج وأسمائها المسروقة من محطات أخرى ولا عن معالجة مضامين البرامج من حيث الإعداد والإخراج والديكور ... فإلى متى هذا التخلف الإعلامي في بلدنا ؟؟؟
-
تلاااااااااااااشي للأسف قناةتلاااااااااااااشي للأسف قناة لاتحمل ولاتقدم شيْ من اسمها
-
ما يضحكني هو التالي: شعب سوريما يضحكني هو التالي: شعب سوري يموت جوعاً مع أسعار خيالية، و مدعومين من شكلة سامر اسماعيل حتى الازمة جيروها لمصلحتهم فمن عقد في سانا الى شرفات الى التلفزيون .....بربكم هل تطاق هذه الحالة؟؟؟؟
-
مرحبالطالما كانت الكلمة الصادقة تجرح الآخرين والكارهين للحقيقة ولكن لنعترف أن مقال الزميل وسام كنعان يقارب الحقيقة ولا ودركها تماماً وفيه بعض التجني.. المحطة مازالت في بداياتها ولا يجوز الحكم عليها من الأسابيع الثلاثة الأولى (قد يقول قائل:المكتوب مبين من عنوانو)ولكن يجب إعطاء فرصة للمحطة، صحيح أن المحطة أعلنت أنها ستخرج من تحت قبعة الإعلام الرسمي السوري ولكن هذا الخروج لا يتم دفعة واحدة بل يتم بالتدريج وعلى خطوات متتابعة ومتلاحقة حتى لا تكون هناك فجوة كبيرة بين الرضوخ لتلك القبعة والتخلي عنها نهائياً هذه الفجوة قد لا تعجب المشاهدين ولا تنسوا أن المحطة في نهاية المطاف هي سورية قلباً وقالباً ووجود بعض الأخطاء لا يعني أنها فاشلة فالإنسان الناجح يتعلم من أخطائه ويجب على الآخرين أن يمسكوا بيده إذا أخطاً لا أن يزيدوا من تبعات أخطائه.. انتقدوا تلك المحطة وقوموها إن أخطأت ولكن لا تحكموا عليها بالموت لأنها مشروع يستحق النظر إليه بإمعان
-
هامأنا من متابعين هذه الجريدة واحيي جميع فريق العمل على الجهود ولكن منذ فترة وأنا ألاحظ أن كاتب هذا المقال وصحيفتكم كل مرة تهاجم الإعلام السوري ... قد يكون له مشكلة شخصية معه وانا كغيري من الكتاب والإعلاميين لاحظنا هذا لذلك بغض النظر عن الاعلام السوري ولكنه اعلام مقاوم ولولا هكذا لم يكن ليحجب عن أغلبية البلدان في العالم نرجو اتخاذ موقف حيادي وان تحافظوا على المهنية ولا ننسى الكمال لله ....لذلك نرجو عدم الوقوع في فكي التحريض انتم ايضاً ..