بغداد | يمرّ سائق التاكسي في طريقه وسط بغداد إلى منطقة «الباب المعظم» بالشارع الذي يفصل بين حيي «الفضل» و«أبو سيفين»، ويقول: «ألا يتعظ من يريد اشعال الفتنة ثانية؟». يردّد ذلك وهو يشير بيده اليسرى إلى آثار الرصاص الذي يُرصّع جدران الأبنية المتهالكة هناك، حيث الطريق الذي كان قبل سنوات مفصولاً بجدران خرسانية ونقاط تفتيش، لكونه من أبرز مناطق الاشتباك الطائفي، التي تقاتل عندها مسلحون من الطائفتين، وتصاعدت فيها عمليات الاختطاف المتبادلة.
أحاديث سائقي سيارات الأجرة، تعكس الواقع واتجاهاته، فإنْ كانت مشغولة بحدثٍ رياضي أو نكتة محلية، فمعنى ذلك أنّ ثمّة استرخاءً مؤقتاً تعيشه بغداد. وإنْ رسمت عباراتهم شيئاً من السوداوية، فهذا يوحي بتوتر الوضع وحراجته.
حرب أهلية، خطف، تفجيرات، سيطرات وهمية، ميليشيات، أحزمة ناسفة، الهجرة مجدداً، هذه المفردات كانت حاضرة في المشهد العراقي، وبالأخص مع أحداث العنف الطائفي عام 2006. ها هي تعود إلى يوميات العراقيين وتثير الهلع بين العائلات، لكن مع الاقرار بتدهور الوضع، يجب ألا ننسى التهويل الذي تسهم فيه فضائيات محلية وشائعات تتناقلها صفحات الفايسبوك. ما أن يقول أحدهم إنّ أخباراً من المنطقة الفلانية تفيد بوجود خطف على الهويّة، حتى ينتشر النبأ من دون تحقق.
نخبة البلاد هي الأخرى حائرة، غير أنّ صوتها لم يخفت بعد، ليتجسّد مثلاً بوقفة في ساحة الفردوس تحت عنوان «صمت وشموع... رفضاً للحرب الأهلية»، التي تواصلت بمعدل وقفة واحدة أسبوعيّاً، وكتب منظّموها في موقعهم على الفايسبوك: «استنكارُنا سيتواصل حتى وقف اراقة الدم العراقي الذي لم يعد السكوت معه ممكناً، فالموت المجاني الذي يتصيد النساء والشيوخ والأطفال والشباب سيجعلنا نذكّر بمصير البلاد المجهول إذا استمرّ الحال على ما هو عليه. وقفتنا اليوم في ساحة وغداً بين طلاب المدارس. وبعد غد أمام المؤسسات التشريعية والتنفيذية التي لها علاقة بحياة العراقيين وأمنهم، كلّ ذلك بمنزلة رسالة تذكير إذا امتدّ الحريق الذي لن يترك شيئاً إلا يحيله على رماد....أغيثوا العراق قبل فوات الأوان».
وفي ظلّ الخيبة من الواقع السياسي العراقي وما ينتج عنه من ترد أمني خطير أفضى إلى تجاوز عدد الضحايا من العراقيين في أيار (مايو) الماضي الألف شخص، يكتب الاعلامي الشاب سنان سعدي السبع مناشدة مؤلمةً: «ولدتُ في بغداد في نهايةِ حرب، كبرت في بدايةِ حرب. الحرب الثالثة تجري وأنا في عمر الشباب (...) حلمي منذ الولادة أن أعيش بأمن وسلام». من ضمن جهود توطيد السلم الأهلي، جاء تأسيس صفحة على الفايسبوك باسم «غرفة عمليات مكافحة الشائعات» التي تهدف إلى عدم ترويع الناس بالاعتماد على شهود عيان من أحياء شتى في بغداد، بغية التأكد من صحة الشائعات التي أخذت تزداد عن «وجود سيطرات وهمية وخطف على الهوية». الحاجة كبيرة إلى مواقع للرصد والتحقق من صحة هذا الخبر أو ذاك؛ لأنَّ البعض راح يصف الصحافة العراقيّة «المقروءة» بأنّها «غائبة عن تغطية الحدثِ ولم تقم بواجبها».
وفي غمرة تدهور الأمن، يكتب الروائي أحمد سعداوي على الفايسبوك، ما يشبه الرسالة إلى أصدقائه، تلخّص خطورة الحال: «ما دامت «العملية السياسية» متداخلة مع «العملية التفخيخيّة»، وما دامت «مؤسّسات الدولة» متداخلة مع «مؤسسة الارهاب»، فمن الأفضل عدم الوثوق بشيء الآن (...) ما دمنا نعيش، إعلاميّاً، في دوامةِ التأويل، وعدم وضوح شيء، فمن الأفضل عدم الثقة بالعالم الخارجي كثيراً. إلزم بيتك أيّها الصديق والأخ والجار والقريب، قدر الامكان في هذه الأيّام. لا تثق بأحد حولك قدر الإمكان. امنع نفسك من هذا الموت المجاني الذي لا يسألُ عنه أحد، ولا يتأسفُ عليه أحد. والسلام».