منذ أكثر من عامين والأنباء الآتية من دمشق تتسيّد نشرات الأخبار. لكن المشاهد ضاع بين تضليل وتزوير مارستهما فضائيات تناحرت على خلفية المشهد السياسي وفقدت صدقيتها، فانصرفت عنها أعداد كبيرة من المشاهدين. وسط هذا المناخ المتوتر، انطلقت «الميادين»، رافعة شعار القضية الفلسطينية والمقاومة، ومتخذة من الحدث السوري أولويةً.
بدا الأمر واضحاً عندما علّقت إعلانات طرقية في الشام تعلن عن إطلاق المحطة، مرفقة بصور نجومها لتتحول «الميادين» واحدة من القنوات المتابعة في سوريا. أما السبب، فهو بحسب تصريحات مختصين إعلاميين سوريين لـ«الأخبار» أنّ الجمهور السوري كان متعطشاً إلى خطاب يبتعد عن «التشبيح» والتطبيل للنظام، كما تفعل القنوات الرسمية وحليفاتها، وعن التزوير والتحريض كما تفعل «العربية» و«الجزيرة». انسجمت «الميادين» مبدئياً مع شريحة كبيرة من الجمهور السوري الذي لم يستطع بناء جسور ثقة مع إعلام الطرفين المتنازعين. هكذا، حققت القناة حضوراً من خلال تغطية شاملة للأحداث السورية، اعتمدت على مكتب إقليمي في دمشق يديره بهامش «معقول» من الحرية إبراهيم دراجي مع ثلاثة مراسلين من دون الاستغناء عن موفدي المحطة إلى الأماكن الساخنة مثل حلب وأخيراً القصير. هناك، رافقت الكاميرا المعارك الشرسة وصولاً إلى عودة بعض الأهالي إلى المدينة المدمّرة فيما تقدم أوغاريت دندش تحقيقات ميدانية بعنوان «من الأرض».
في موازاة ذلك، أطلقت المحطة أخيراً نشرات متخصصة (سوريا، العراق) لكن غالباً ما طغى عليها الحدث السوري، إضافة إلى برنامج «حديث دمشق» الاسبوعي الذي يتكوّن ضيوفه من السياسيين السوريين موالاة ومعاضة. لكن هذا البرنامج سبق أن سقط في مأزق عندما دعا المعارض سلامة كيلة إلى البرنامج واعتذر في الوقت الضائع عن عدم استقباله بذريعة أنّ البرنامج لن يبث وكانت الحقيقة مغايرة (الأخبار 11/12/12)، ما أعطى مشروعية لانتقادات المحطة بالرضوخ لأجندات وقوائم جاهزة عند اختيار الضيوف وخضوعها لوصاية النظام السوري. لكنّ الرد كان حاضراً من قناة «الواقع كما هو» عندما استضافت أشرس المعارضين وأعضاء في المجالس والهيئات السورية المعارضة، ومنحتهم مساحة كافية من تغطياتها. إلى جانب ذلك، تميزت القناة بفتح استوديو لتغطية مباشرة للغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق واستضافت محللين وخبراء سياسيين، واعتبرت العدوان اعتداء اسرائيلياً على عاصمة عربية جديدة. كل ذلك جعل مشاهدي المحطة في سوريا على تواصل جيد معها. لكن رغم متابعتها الواضحة من عاصمة الياسمين، إلا أن غالبية من تواصلت معهم «الأخبار» من مختلف شرائح الجمهور السوري أكّدوا أنّ خط المحطة المساند للنظام السوري و«حزب الله» مكشوف بالنسبة إليهم، فيما يعتبرها المعارضون أداة بيد النظام السوري، لكنها أكثر احترافاً من بقية المحطات الموالية كـ«الدنيا» و«العالم» و«المنار». الرد على ذلك جاء من مسؤولين في المحطة قالوا لـ«الأخبار» إنّ «الميادين» تقف «مع سوريا البلد العريق ومع المقاومة التي ردعت الاسرائيلي وحررت الجنوب ولا تخجل بسياستها». ويجزم هؤلاء بأنهم حققوا نسبة مشاهدة في الوطن العربي تصل إلى 15 مليوناً بحسب إحصائيات غير رسمية والنسبة الأكبر لمشاهديهم تأتي من سوريا.
رغم كل ما يقال عن موالاة المحطة للنظام السوري، وتعمّدها المبالغة في تغطية الاحتجاجات في تركيا للرد على سياسة أردوغان في سوريا، والمبالغة في قضية إرسال مجاهدات النكاح من تونس إلى سوريا، إلا أنّ النظام السوري سجل سابقة خطيرة عندما أوقف مراسلة «الميادين» في دمشق ديمة ناصيف لمدة شهرين من دون سبب مقنع، وكان وراء الإيقاف مديرة المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري لونا الشبل.
في كل الأحوال، يحقّ لـ«الميادين» في عامها الأول أن تحتفل بخطاب إخباري احترافي واكب الحدث السوري عن قرب من دون مغالاة وتطرف في المواقف.