في 11 حزيران (يونيو) 2012، انتهى العد العكسي لانطلاق «الميادين». دخل رئيس مجلس إدارتها غسان بن جدو على وقع أنشودة «موطني» مخترقاً صفوف العاملين، ليتلو الخط التحريري للقناة الوليدة. ثماني دقائق وضعت الأسس للانطلاق في فضاء إعلامي مزدحم ومشوّه. تحدث الإعلامي التونسي عن التوازن بين الجرأة والموضوعية، والحرص على إظهار الآراء المختلفة، ونبذ التقسيم والتطرف الديني، فاتحاً نوافذ عدة على الغرب والعالم العربي، ليرسو في النهاية على فلسطين. تلك القضية التي تقع في صلب مشروع القناة التي كانت أول محطة تبنت قضية الأسير الفلسطيني سامر العيساوي، وجورج عبد الله الرهينة في الغولاغ الفرنسي. ومع استمرار الحراك الشعبي العربي اليوم، وبروز إشكاليات كبرى في الإعلام العربي الذي انحدر إلى مخاطبة الغرائز والعصبيات، ماذا يقول غسان بن جدو عن تجربة «الميادين»؟ الإعلامي الذي ترك «الجزيرة» على خلفية سلوكها المهني والأخلاقي، وتحديداً في تناولها لملفي سوريا والبحرين، تحدّث إلى «الأخبار» عن مكامن الإخفاق والنجاح، والمشاريع المقبلة.
استذكر بن جدو اللحظات الأولى للافتتاح، واصفاً إيّاها بـ«الفارقة»، مشيراً إلى أنّ المشهد اليوم لا يختلف كثيراً عن الأمس في ظل تواصل مخاض عربي يتوق إلى الحرية، مصحوباً بخطاب تحريضي «مروّع» عبر «التلذذ بسفك الدماء وأكل لحوم البشر» وهو ما بات يسمى ظاهرة التكفيريين. وسط هذا المشهد الدموي، أطلت«الميادين» محققة انتشاراً غير متوقع، ما ضاعف من «حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه الرأي العام»، وترافق ذلك مع حملات تشويه، وخصوصاً لجهة التمويل، فضلاً عن الاتهامات بـ«الاستزلام والعمل وفق أجندة مرسومة مسبقاً من قبل دول إقليمية». خلال تقويمه للعام المنصرم، عبّر الإعلامي التونسي عن خيبة أمل أصابته من الحراك العربي الذي واكبته «الميادين»، مشددةً على التمييز بين الإرهاب والمقاومة. قال بن جدو إنّ القناة استكملت تغطيتها لـ«ميدان التحرير 2»، في إشارة إلى الانتفاضة المصرية ضد الإخوان المسلمين، مضيفاً أنّ هذا ما أكسبها «حضوراً واسعاً هناك رغم صغر سنّها». وكما في المحروسة، كذلك في تونس، وصولاً إلى سوريا، التي يعدّ الوضع فيها «الأكثر تعقيداً» على حد تعبير مقدّم برنامج «في الميادين» (الجمعة ــ 20:30) مع إصرار القناة على التعاطي معه «بواقعية وإصرار وتوازن»، وإعطاء مساحة في تغطية طرفي الصراع هناك. وعن الحياد، قال بن جدو إنّّه مورس في ملفات عدة، لكنّ «الالتزام به يقف طبعاً عند حدود التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي». عندما قُصفت سوريا بالطائرات الحربية الصهونية، أكّد بن جدو أنّ «الميادين» استخدمت عبارة «العدوان السافر» على خلاف بعض القنوات الأخرى التي هلّلت له «على نحو شائن»، مشدداً على أنّه «لا حياد ولا تلكؤ أمام إسرائيل».
في ما يتعلّق بشعار «الميادين» الذي استخدمته للتعريف عن نفسها، هل ينطبق «الواقع كما هو» على مضمون عملها؟ يشرح بن جدو أنّ هذا الشعار المبسّط يستجيب لتطلعات المشاهدين في غياب «أي مخيلة أو أجندة حزبية أو أيديولوجية»، وخصوصاً أنّ المحطة تنقل الواقع «من دون تزوير ولا فبركة، فيما استطاعت كسر مبدأ احتكار المعلومة والخبر والصورة، والأهم التوجيه الإعلامي». ولفت إلى أنّ القناة أرست «أكثر من معادلة» خلال استحقاقات عدّة فُرضت كأولوية إعلامية، لا تغطية عدوان الأخير على غزة آخرها.
بعد إطفاء شمعتها الأولى، ستضيف «الميادين» نكهات جديدة إلى نشراتها الإخبارية وبرامجها المعتادة، مبقيةً على الوثائقيات رغم كلفتها العالية. بحسب بن جدّو، سيُعمد إلى إضافة ملفات مغاربية ضمن مساحة ثابتة بعد رمضان، على أن تدخل الدراما «الملتزمة» على نحو قوي في هذا الشهر لكسر الهوية المألوفة للقناة الإخبارية، إضافة إلى «إفراد مساحة أكبر للملف اللبناني ضمن مساحة خاصة ومتنوعة غير محصورة فقط بنشرة إخبارية». ورجّح الإعلامي التونسي أن يكون للخليج العربي مساحته على القناة، كاشفاً إمكان تخلّيه عن برنامجه الأسبوعي للتفرغ للإدارة والتخطيط وتحديث القناة، وخصوصاً لجهة الرصد التفصيلي لما تنتجه.