لم تعد صفحات الفايسبوك تقتصر على إبداء المواقف والآراء فحسب، بل أضحت مواقع إخبارية لها قرّاؤها، وأيضاً مصدراً لبثّ الفتن والتحريض. من الشمال اللبناني، تشهد الصفحات الخاصة بطرابلس هذه الأيام «حرباً» ضروساً. إلى جانب الاشتباكات التي تعيشها الفيحاء، تشهد المدينة حرباً أخرى لم ينتبه كثيرون إلى ضراوتها ولو أنها افتراضية، لأنها تسهم في إبقاء الانقسام السياسي أو المذهبي على حدّته. هذه الحرب المجازية تدور رحاها على صفحات الفايسبوك التي تبث الأخبار والمواقف، وتشكّل المصدر الرئيس للمواطنين للتزوّد بمعلومات ومواقف حول ما شهدته طرابلس خلال اليومين الماضيين، لكن التناقض فيها بدا تعبيراً عن الانقسام الذي تعيشه المدينة منذ سنوات. صفحة «أخبار باب التبانة كل ساعة» تبثّ أخباراً تحت شعار «عاجل وهام» عن القتلى في سوريا، وتعلّق على مداهمة الجيش اللبناني لمراكز في باب التبانة ومصادرة أسلحة فيها، وتشنّ هجوماً مذهبياً على «حزب الله». أما صفحة «أخبار باب التبانة» التي تتصدّرها صورتان لعلم «الثورة» السورية ومؤسس «المقاومة الشعبية» في المنطقة الراحل خليل عكاوي، فنشرت صوراً لانتشار مسلحين مقنّعين في طرابلس أول من أمس، إلى جانب صورة أخرى تبدو مناقضة لها لفتاة تبكي «صرخة من طرابلس ...كفى». في الضفة المقابلة، يستمر الشحن مع صفحة «شبكة أخبار جبل محسن الرسمية» التي تتصدّرها صورة لبشار الاسد محاطاً بالنائب السابق علي عيد ونجله رفعت، فتقتبس من صفحة عيد الإبن على الفايسبوك قوله إن «قوة جبل محسن بتلاحم أبنائه، وكما قال الراحل حافظ الأسد: قوتان لا تقهران، قوة الله وقوة الشعب».
خارج إطار الصراع التاريخي بين باب التبانة وجبل محسن، إزدهرت في طرابلس أخيراً صفحات إفتراضية ذات طابع إخباري يشرف عليها ناشطون محليون، وتشهد إقبالاً خصوصاً في الأزمات وتتنافس لبثّ الخبر الأسرع مصحوباً بصور، فضلاً عن التعليقات. «طرابلس الفيحاء الإخبارية» واحدة من هذه الصفحات التي تتصدّرها صور لقلعة طرابلس، وهي تسأل بما يشبه الكوميديا السوداء: «من اخترع فنّ التقنيص؟». الصفحة تعلّق بانتقاد لاذع على ما جرى أخيراً في عاصمة الشمال بالقول: «شعب ما عندو تفكير أبداً، والله بحياتنا ما رح نصير عالم». أما صفحة «أخبار طرابلس الجديدة» التي تتصدرها كلمة «عاجل»، فتنشر صوراً لمسلحين موِّهت وجوههم. وأخيراً تأتي «طرابلس 24» التي تعدّ إحدى أبرز الصفحات الإخبارية. تتزيّن الصفحة بصورة للعلم اللبناني وشعار الجيش اللبناني، وقد نشرت أمس تعليقاً على ما قالت إنها «تهديدات» وصلتها أنّه «نقول للذين ظنّوا أنهم بتهديداتهم وبتسويق الإدعاءات كما سوّقوها على المؤسسة العسكرية بهدف التحريض علينا، كلماتكم الضعيفة لم تزدنا إلا إصراراً على قول الحقيقة». طبعاً، هذه الحقيقة تختلف بين منبر وآخر، إلا أنّ الجامع بين كل هذه الصفحات هو نَفَسُها التحريضي الذي هو أشدّ من القتل.