اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية بعد أيام على عرض باكورته الروائية «بيروت يا بيروت» عام 1975 حوّل دفّة مارون بغدادي الى الأفلام التسجيلية. أنجز عدداً من الأعمال التي توثّق للنصف الثاني من السبعينيات في لبنان، خصوصاً في بيروت والجنوب، محاولاً حفظ ذاكرة جماعية ورصد حالة اجتماعية من خلال شخصيات آتية من بيئات متناقضة تفصل بينها خطوط التماس ومعابر الاحتلال وتتشارك في رسم صورة مجتمع الحرب.هذه الأفلام تسهم أيضاً في رسم بورتريه عن شخصية بغدادي وقناعاته السياسية التي ستشهد تغييرات في السنوات الخمس الأولى لاندلاع الحرب وسيحاول دوماً تمرير نقد ذاتي عبر الصورة والمونتاج. بعض هذه الأفلام لم يعرض من قبل، ومنه ما عرض لمرة واحدة في مناسبات حزبية، لكنّ «نادي لكل الناس»سيقدمها ضمن «أيام مارون بغدادي السينمائية». هكذا، سنشاهد «تحية إلى كمال جنبلاط» (1977ــ 57 د ـــ 12/6) الذي أنجزه بعد اغتيال كمال جنبلاط الذي كان مارون منحازاً لأفكاره. هنا، سيتنقّل مارون بين أكثر من عالم محاولاً الإحاطة بأثر غياب جنبلاط على الساحة السياسية اللبنانية. سيعود للالتقاء به في آخر الفيلم ضمن مقابلة في باحة قصر المختارة ثم سيظهر أقسامه وغرفه خالية صامتة بعد رحيل الأب. سيعود بغدادي مراراً إلى جنبلاط من خلال أرشيف صور وكلمات ومقابلات تبرز الجانب المثالي لمؤسس «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي سيتكلم عن إصلاح النظام والقضاء على الفساد بينما ينتقل مارون على وقع كلماته ــ من خلال الأرشيف أيضاً ــ الى الواقع المختلف على الأرض حيث المقاتلون وعمليات القنص والإعدام. من كمال جنبلاط، سننتقل إلى وثائقيات عن الجنوب اللبناني. بعد اجتياح عام 1978، ينطلق بغدادي مع المصوّر حسن نعماني الى الجنوب حيث أنجز «أجمل الأمهات» (29 د ـ 12/6). فيلم دعائي لـ«منظمة العمل الشيوعي» يمزج بين يوميات المقاتلين على الجبهة الجنوبية خلال تحضيرهم لعملية ضد الاحتلال وبين شهادات أمهات وأفراد عن الشهداء الذين فقدوهم في معارك ضد الاحتلال. تكمن أهمية الشريط في توجيه تحية الى زمن المقاومة الأول، إذ يُظهر مختلف الانتماءات الطائفية والمناطقية للمقاومين والشهداء. والأهمّ أنّه يوثّق لمفردات تلك الحقبة وللمقاومين الذين لم يفصلوا بين مسيرة المقاومة ومسيرة علمنة النظام وإصلاحه وإرساء المساواة ودعم الطبقة الكادحة.
من الجنوب أيضاً، يخرج «كلنا للوطن» عام 1979 (74 د ـ 11/ 6) من إنتاج «الحركة الوطنية». سيُفتتح بجنازة شاب جنوبي، ثم تدخل كاميرا مارون الى المجتمع الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي. لهذه الأفلام أهميتها في التأريخ السياسي حيث تبرز حقبة الالتحام بين القوى المشتركة (الأحزاب اليسارية والقومية والفلسطينية) خلال مواجهة الاحتلال بموازاة بدء التلاحم بين العقيدة الدينية والسياسية لدى أهل الجنوب. من مشاهد «كلنا للوطن» و«أجمل الأمهات»، أخرج مارون نسخة قصيرة بعنوان «حكاية قرية وحرب» (24 د ـ 11/6) مع تعليق بالإنكليزية عرضها الراحل غسان تويني في الأمم المتحدة في اليوم الذي صدر فيه القرار 425.