أثناء «مهرجان كان» عام 1982، طرح المخرج الألماني فيم فيندرز سؤالاً على مجموعة من المخرجين المشاركين في المهرجان، هو: «هل السينما لغة اقتربت من الضياع، فن اقترب من الموت؟»، ثم جمع فيندرز الإجابات في فيلم تسجيلي قصير بعنوان «الغرفة 666». وكان مارون بغدادي واحداً من المخرجين الذين أجابوا عن السؤال. يبدأ بغدادي إجابته بأحد التساؤلات الأكثر شيوعاً في السينما والفن عموماً. «مشكلتي مع السينما، مع الأفلام التي أشاهدها والمخرجين المعجب بأعمالهم الذين يؤثرون على أعمالي، هو كيف تصنع فيلماً من دون أن تصبح كثير الإشارة إلى نفسك؟». قد تبدو الإجابة تقليدية، لكنها جديرة بالتوقف عندها أيضاً. من أين نستمد فكرة إن لم تكن من الحياة المعيشة يومياً؟ «صناعة فيلم هي عن قلق الإبداع»، يكمل بغدادي إجابته. هذا القلق المشروع هو هاجس لدى المبدعين. والخوف من البقاء في فكرة متكررة، هو خوف على عملية الإبداع نفسها. مسيرة بغدادي السينمائية تلازمت مع الحرب الأهلية. كمخرج مقرب من اليسار، وجد نفسه في بيئة تطلبت نوعاً من الالتزام، ووضع أفلامه في خدمة رؤية سياسية تعكس الواقع. التداخل بين الاثنين قوي جداً كما يقول في سياق اجابته عن مستقبل السينما، ومستقبل أفلامه أيضاً. بعد «حروب صغيرة»، غادر إلى فرنسا للبدء بمرحلة جديدة في حياته، وهناك أخرج «الرجل المحجّب» (1987) وعدة أفلام تلفزيونية أخرى، لكن ثيمة الحرب ظلت موجودة بشكل أو بآخر في أعماله، وصولاً إلى «خارج الحياة» (1991 - الصورة) الذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم مناصفة مع لارس فون تراير في فيلمه «يوروبا». بقي بغدادي رهينة سينمائية لدى الحرب كما كان الصحافي الفرنسي باتريك بيرو في فيلمه الفائز، قبل أن تأتي وفاته المأسوية وتبتر مشاريعه المستقبلية، وتقطع علينا فرصة متابعة تجربة مميزة توقفت قبل الأوان.