الحديث عن تانيا صالح موسيقيّاً لا يمكن اختصاره بأنها مغنية روك لبنانية، وإن كانت متأثرة بالروك، لا بل تجيد التأليف والغناء على أنماط مختلفة من الروك ومناخات الموسيقى البديلة. خاضت تانيا تجارب موسيقية عديدة لا تمتّ إلى الروك بصلة، من دورها في كتابة وأداء موسيقى لإعلانات تجارية الى المشاركة في أغنيات مرموقة، والغناء المنفرد لموسيقى تصويرية أُلّفت لخدمة مشاهد من فيلم أو عرض مسرحي. وإن تطغى على موسيقاها إيقاعات غربية مختلفة في الوزن والسرعة، فهي تجيد الغناء الشرقي وتأليف الجمل الشرقية السهلة الحفظ، لأنّها صاحبة أذن تنتقي الصيغة اللحنية الأفضل بين الجمل الموسيقية أثناء التسجيل.
صاحبة صوت حاد عندما تسخر، رقيق عندما تلوم، ناشطة تتمتع بحس إنساني وأخلاقي ووعي ثقافي واجتماعي، لتكون ناقدة ساخرة في كلامها ولحنها.
تختلف موسيقى تانيا صالح باختلاف التجارب مع الموسيقيين الذين تعاونوا معها. خاضت تجارب عديدة مع فرق روك محلية، وشاركت في البوم «بغداد هيفي ميتال»، ودخلت في تجارب أخرى مع هاني سبليني وعبّود السعدي منذ عمر مبكر، إضافة الى تجاربها مع خالد مزنّر في تأليف الموسيقى التصويرية لفيلمي نادين لبكي «سكر بنات» و«هلأ لوين». أما أهمّ تجاربها فكانت العمل مع عازف الغيتار والمؤلف عصام الحاج علي الذي يعدّ من مؤسسي «فرقة الأرض». التجربة أثمرت مجموعة من مقطوعات في البومها الأول «تانيا صالح». مزيج بين إيقاعات عالمية حديثة ولحن مؤلف من جمل شرقية وفردية، منها ما عزفته الراحلة إيمان الحمصي على القانون، وشربل روحانا على العود. مزيج ناجح اتضح في أغنية «يا ليل يا عين» مثلاً، حيث تأتي الجمل الشرقية على القانون والعود كردّ على الجملة الاساسية التي تتكرر في مقطع معيّن، مع إضافة إيقاعات شرقية تلعبها الطبلة أو يلعبها الرّق في هذا المقطع، ثم التفريد بالغناء...
أثناء عملها مع عصام الحاج علي، شاركت تانيا تمثيلاً وغناءً في الكورس في مسرحيتي زياد الرحباني «بخصوص الكرامة والشعب العنيد» و«لولا فسحة الامل». ومع الفرقة التي عزفت الموسيقى التصويرية الحيّة أثناء العرض، غنّت تانيا طبقات أوبرالية عالية ثم شاركت في الغناء مع كورس زياد أثناء تسجيل ألبوميه «الى عاصي» و«بما إنو». ومن ضمن تجاربها العمل مع مهندس الصوت فيليب طعمة الذي تولّى التوزيع الموسيقي في ألبومها الأول. تجربة تكرّرت في ألبومها الثاني «وحدة» حيث بقيت السخرية حاضرة في نقدها، وبقي اختلاف الأنماط الموسيقية وتنوعها بين الأغنية والأخرى من «يا ولاد» أغنية ردّ الفعل الصارخ في الكلام والموسيقى، الى التعقّل والدعوة الى الحب والسلام في «عمر وعلي»، إضافة الى «لازم» وما يرافقها من سرعة في الايقاع وأداء الكلمات. تعاون فيليب وتانيا مع موسيقيين محترفين لتسجيل هذه الأعمال وإنجازها كإيمان الحمصي، وشربل روحانا، وموريس خوري، وعلي الخطيب، ووليد ناصر، وعلي المدبوح، وجاد عوّاد ومهران غورونيان... هؤلاء أيضاً تعاونت معهم في ألبومها الثالث Tania Saleh Live at DRM الذي ساهم في إنتاجه غازي عبد الباقي. اكتسبت تانيا صالح خبرة من هذا المزيج من التجارب لتبرهن أنّها من الأذكياء القلّة الذين كتبوا وألّفوا الموسيقى البديلة الحديثة.