لسنوات، خبّأت الصحافية السورية بثينة عوض آلتَي التسجيل والتصوير الخاصتين بها كي تتجاوز أسوار أبنية تغرق في الفساد، والقصص المثيرة والمشوقة من «قصر العدل» إلى جمعيات «المبرة»، وصولاً إلى عدد كبير من المؤسسات الرسمية. حينها، كانت تنجز تحقيقات استقصائية تنشرها في الصحافة السورية، لكن التجارب والمشاهدات الدقيقة التي استمرت لسنوات جعلت عوض تدرك أنّه يمكن تصنيعها بشكل حكائي، واستثمار شخصيات غنية التقتها وأحداث وثّقتها في نص درامي غني ومحكم. هكذا، بدأت بتوثيق ذاك الجهد الطويل لتنجز «ورق أيلول»، أوّل مسلسل في تاريخ الدراما السورية يعتمد على التحقيقات الصحافية.
اليوم، وصل المخرج أحمد إبراهيم أحمد إلى المراحل الأخيرة من التحضير للتصوير الذي سينطلق في دمشق، على أن تنتجه شركة «قبنض للإنتاج التلفزوني». يلعب بطولة العمل كل من: ضحى الدبس، ديمة قندلفت، قمر خلف، هبة نور، مهيار خضور وآخرون. ومن المتوقع أن يعرض على المحطات الفضائية خارج الموسم الرمضاني. في حديثها إلى «الأخبار»، تشرح كاتبة السيناريو أنّ عملها يقتحم عالم النساء السري ليتحدث عن قضايا تطرح للمرّة الأولى في الدراما السورية عبر سرد قصص واقعية لنساء جريئات في التعبير عن كل ما يدور بدواخلهن من عشق وكبت وانكسار. شام وليال وديمة وسوزي هنّ بطلات العمل الجريء. شام تعمل طبيبة نفسية تتمتع بشخصية قوية للغاية، تزدهر مهنتها خلال الأزمة السورية ويزداد أعداد مرضاها الذين يعانون أزمات متنوعة، فيما تبحث في حياتها الشخصية عن الحب لتجده عند محام يغوص في ملفات شائكة تفضح الفساد القضائي المستشري في الدولة السورية. تدخل ليال السكرتيرة في علاقات مأزومة بعد أن يكتشف زوجها أنّها «خدعته» ليلة الزواج بعملية «ترقيع» (رتق غشاء البكارة) وينفصل عنها بعد دعوى في المحكمة. الدعوى هي الأولى من نوعها أمام القضاء السوري، تحت عنوان «غش وتدليس»، كانت بثينة عوض قد وثقتها في تحقيق صحافي. أما سوزي، وهي ابنة رجل أعمال كبير، فتعاني من هوس بمستحضرات وعمليات التجميل. رغم جمالها، تجري عمليات عدة حتى تصل إلى مرحلة التشوه، لتنصرف نحو تفريغ عقدها في تعذيب الخادمات كلما اشتدت حالتها النفسية. هكذا، يرصد المسلسل «انكسارات المرأة ضمن مجتمع ذكوري يدفعها نحو خيارات قاسية»، وفق ما قالت عوض، مضيفةً إنّه يسلط الضوء أيضاً على شخصية تعرضت للعنف الجنسي، فتوجّهت إلى العمل في مجال تحرر المرأة، من دون أن تفلت من الإدمان على الكحول والتطرف في عدائها للرجل. كما يخوض العمل في تفاصيل شخصية روائية تحاول الوصول إلى الشهرة بأي طريقة، إلى أن تنضم إلى المعارضة، كاشفاً قضايا أطفال الأنابيب والتلاعب بالأجنّة في مراكز التخصيب المنتشرة في سوريا. وكانت كاتبة السيناريو أوّل من وثّق هذا النوع من الجرائم في تحقيق صحافي أيضاً. وعن ملامسة النص المباشرة للواقع السوري الجديد، لفتت عوض إلى أنّه «من غير الممكن سرد أي تفصيل في حياة السوريين بمعزل عن الأحداث الأخيرة وانعكاساتها على حياتهم، لذا فإنّ تأثير الأزمة جليّ على مسار حياة كل الشخصيات اجتماعياً ومهنياً»، موضحةً أنّ «ورق أيلول» يرصد أيضاً «حياة رجل أعمال يحاول الانتفاع من مجريات الأزمة والدخول في عمليات تهريب كبيرة تحت حماية أحد المتنفذين». هكذا، نحن أمام محاولة لصحافية محترفة وسيناريست ناشئة قد تساعد الدراما السورية في وضع قدمها على طريق جديد يوثق الحدث، بعيداً عن المبالغة أو المغالاة أو إدارة الظهر للأزمة السياسية العاصفة.