في مجموعته «سلسلة غابة على السطح»، يعمل القاص السوري حسين مرعي (1976) على تحريض خيال القارئ، لتكون المحصلة فضاءً طفولياً واسعاً، عايشه معظمنا. 11 قصة من القياس الصغير مطبوعة على حدة، وموضوعة في مجلد على شكل علبة. لعبة ذكية من «دار قنبز» في إثارة فضول القارئ، وتحفيزه على اكتشاف مضمون الحكايات المفتوحة على الخيال الطفولي الجامح، قبل أن تنجح في ترويضه كتب الدراسة وتعاليم الأهل.
«عندما فكرت بكتابة قصة جديدة، أول ما تبادر إلى ذهني، خزانة الملابس، غسالة آلية، حبل غسيل، قبعة». بهذه العبارة يفتتح مرعي قصة «القبعة الطائرة» التي تدخلنا إلى عوالم جماد كنا نتعامل معه عندما كنا صغاراً على أنه كائن حي، وننتظر حتى نختلي بأنفسنا بعيداً عن مراقبة أعين الأهل، لنتبادل مع عناصره الأحاديث الطفولية. تشعر القبعة بالغربة وهي مركونة في خزانة الملابس، لكن الطفل ينقذها قبل أن تُرمى في القمامة. علاقة جميلة تعيشها القبعة والطفل وهو يراقب دورانها في غسالة الثياب، لتتحول إلى صديقة ملازمة له في حياته.

يستحضر مرعي عوالم الخيال والماورائيات المحببة للأطفال، لكنه يتبنى لغة حكائية، يمتزج فيها الشعري مع السردي، كما هي الحال مع حكاية «سر الأقحوانة» التي تتحول فيها زهرة الأقحوان، إلى رمز للحياة والأمل والسعادة. في الحكاية ينقذ الأب زهرة أقحوان من الموت عندما يرفع عن ساقها حجراً كاد يقتلها. تردّ الأقحوانة الجميل بحضورها يومياً إلى وسادة ابنته زينة. يشيع خبر الأقحوانة، ويحاول الجميع الحصول عليها، لكن نهاية القصة، تكشف حقيقة اللغز عندما تخبرنا زينة: «لم يجد أي واحد منهم زهرة الأقحوان على الوسادة في انتظاره. إنهم كانوا منشغلين بالسر وليس بزهرة الأقحوان! ما بقي لهم من قصتي وأحلامهم عن الزهرة هو ذلك السر الذي لم يستطيعوا بلوغه». يبلغ الخيال السردي أشده في حكاية «يوم خيال عاصف». يسرد لنا الراوي كيف تحولت غرفة نومه إلى فضاء تسبح فيه الكائنات الخرافية، بينما ماء البحر يتدفق من النافذة ليغمر المكان. يتنبه الراوي إلى جنوح خياله، فيقول: «حاولت تخفيف جنون هذا اليوم، فخطر في بالي أن أمارس فعلاً عادياً»، لكن الخيال الجامح يغلب روتين الواقع المعتاد «منسوب الماء ما زال يرتفع إلى أن غمر الغرفة بالكامل. هنا بدأت استسلم لجنون هذا اليوم العاصف الذي لا مفر منه».
حالات مماثلة مغرقة في الخيال غير المحدود، نعيشها في الحكايات المتلاحقة، لكل واحدة عبرتها وألغازها البسيطة. أما النهاية فهي دائماً لحظة صحو تعيدنا إلى الواقع: «سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتي. سمعت صوت أمي تنبهني إلى الوقت كي لا أتأخر عن المدرسة»، يقول بطل القصة في الخاتمة.