«موجة» عكاشة
بعد ثلاث سنوات من الغياب، يعود «نجيب محفوظ التلفزيون المصري» أسامة أنور عكاشة (1941 ــ 2010) إلى الشاشة في رمضان المقبل. لكن هذه المرة ليس صاحب سيناريو وحوار، بل كاتباً لرواية «منخفض الهند الموسمي» التي تحولت إلى مسلسل بعنوان «موجة حارة». الرواية نفسها لم تحظَ بالإقبال الجماهيري في مسيرة عكاشة الذي توفي في 28 أيّار (مايو). كما طغت مسلسلاته التلفزيونية على أفلامه الناجحة مثل عملي عاطف الطيّب «كتيبة الإعدام» (1989) و«دماء على الاسفلت» (1992) اللذين أدّى بطولتهما نور الشريف. قيمة عكاشة لم تكمن في كتاباته البارعة فحسب، بل أيضاً في إصراره على الانشغال بالشأن السياسي طوال حياته، فضلاً عن كتابة مقالات سياسية في صحف عدة، ومناصرته للزعيم الراحل جمال عبد الناصر التي أوقعته في مشكلات كثيرة.

مثلاً، شنّت عليه صحيفة حكومية حملة ترفض كتابته لسيناريو مسلسل عن حرب أكتوبر بسبب موقفه السلبي من أنور السادات. لم يخرج المسلسل إلى النور. على أي حال، ضَمنَ عكاشة والمخرج الراحل إسماعيل عبد الحافظ مكانةً مميزة في سجل الإنجازات الدرامية. يعدّ الكاتب المصري صاحب العدد الأكبر من أشهر المسلسلات المصرية، أبرزها الأجزاء الخمسة من «ليالي الحلمية» الذي صنع نجومية أبطاله يحيى الفخراني، وصفية العمري وصلاح السعدني، وقبله مسلسل «الشهد والدموع» (جزءان). ومن بين أبرز أعماله «أميرة في عابدين» (2002) و«زيزينيا» (الجزء الأول 1997 ــ الجزء الثاني 2000)، و«أرابيسك». قائمة طويلة بدأها قبل 30 عاماً وما زالت مستمرة. في ثورة «25 يناير»، لم يغب عكاشة عن شبابها الذين تذكّروه مع المخرج يوسف شاهين، والكاتب محمود عوض وآخرين في «ميدان التحرير».

رائد الحداثة

لم يكن القدر وحده من تآمر على المسرحي الراحل فواز الساجر (1948 ــ 1988) عندما خطفه الموت وهو في ألق عطائه الفني. أصدقاؤه وبعض المقربين منه خذلوه أيضاً عندما تركوا إرثه الفني من دون توثيق في دراسات تكرّس اسمه وتكرمه بشكل يليق به ويستحقه. هكذا، طوى النسيان صاحب «سكان الكهف»، آخر مسرحية أنجزها قبل أن يستيقظ ذات صباح في 16 أيار (مايو) 1988 ليشعل سيجارته ويمجّ منها آخر نفس ويغمض عينيه ويرحل. أنهى الساجر حياة خاطفة استغل ليلها ونهارها، فخرج بمنجز ثري جعل كل من عمل معه أو تتلمذ على يديه من الفنانين السوريين مسكوناً فيه وبروحه وبأسلوب عمله، بدءاً بالنجم غسان مسعود، مروراً بجمال سليمان، وليس انتهاءً بسامر عمران.
درس الساجر في «المعهد المسرحي» في موسكو وتخرج فيه عام 1972 ثم عاد إلى بلاد السوفيات حينها لنيل شهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي عام 1982. بدأ المسرحي السوري حياته الفنية في المسرح الجامعي في بلاده عندما قدم مسرحية «نكون أو لا نكون» المؤلّفة من ثلاثة نصوص. كتب أحدها رياض عصمت، وآخر ممدوح عدوان، وثالث لأوزوالد دراكون. واليوم، صار يعتبر الساجر رائد الحداثة في المسرح السوري. جمعته شراكة وصداقة عميقة مع «شيخ المسرحيين السوريين» سعد الله ونوس الذي كان أفضل من وصف وحكى عنه، وشاءت المصادفة أن يرحل الأخير بفارق يوم واحد من الشهر نفسه، لكن بعد تسع سنوات من رحيل الساجر.

أمير الغيتار

عزف عمر خورشيد (1945ـــ1981) سمفونيته الأخيرة في أحد فنادق القاهرة، وتوفي في حادث سير على طريق الهرم. وبعد 32 عاماً على رحيله، ما زالت الألغاز تحيط بأسباب الحادث الذي أودى بحياة شقيق نجمة الفوازير شيريهان. في 29 أيار (مايو)، تعرض «أمير الغيتار» وزوجته اللبنانيّة دينا والممثلة الراحلة مديحة كامل لحادث، إثر اصطدام سيارته بشاحنة. فارق خورشيد الحياة فوراً، بينما نجت زوجته وكامل. وخلال التحقيق، شهدت الأخيرتان أنّه أثناء عودتهم إلى المنزل، تعرّضوا لمطاردة سيارة، لم تتركهم إلا بعد اصطدام سيارة عمر بعمود الإنارة. أطلقت شائعات كثيرة عن لغز الوفاة، منها أنّ إحدى الجهات قامت بتصفيته بسبب حضوره توقيع اتفاقية السلام المصرية ـــ الإسرائيلية، وثمة من روّج بأن الحادث دبّرته جهة أمنية بسبب علاقته بابنة مسؤول في الدولة. سطع نجم خورشيد سريعاً، وانتقل من الموسيقى التي درسها إلى التمثيل. لفت الأنظار منذ أول أدواره في فيلم «ابنتي العزيزة» (1971)، وشارك في أعمال تلفزيونيّة، منها «الخماسين»، و«الحائرة»، و«الحمامة»، و«الثأر»، و«آنسة». لم تكن حياة الراحل طويلة، لكنها شهدت محطات مميّزة، أبرزها عمله مع أم كلثوم في منتصف الستينيات، وأعمال سينمائية ناجحة مثل «حتى آخر العمر»، و«أعظم طفل في العالم»، و«ذئاب على الطريق»، و«العاطفة والجسد»، و«دموع في ليلة الزفاف»، و«غيتار الحب» مع صباح وجورجينا رزق، و«الدنيا نغم» مع فريد الأطرش. ارتبط الراحل بالممثلتين ميرفت أمين ومها أبو عوف، وهويدا ابنة صباح. واليوم يحمل الاسم نفسه ابن عمّ أبيه، وهو نجل الممثلة علا رامي.

بريخت السوري

عندما نهش السرطان جسده، كان صوت الراحل سعد الله ونوس (1941 ــ 1997) يصدح «بالأمل» في مسارح العالم كلها، قارئاً رسالة «يوم المسرح العالمي» في 27 آذار (مارس) 1996 من «مسرح المدينة» في بيروت قبل أن يرحل في 15 أيار (مايو) 1997. ابن حصين البحر (طرطوس)، كتب نصوصاً مسرحية صاغت معاناة جيله، واختزلت تاريخاً طويلاً من هزائم العرب. درس الصحافة في القاهرة وعمل في صحيفتي «الثورة» السورية و«السفير» اللبنانية، ونشر مقالات ودراسات هامة في مجلة «الآداب». سافر بمنحة إلى فرنسا، حيث درس المسرح. ورغم أنّ الانفصال بين سوريا ومصر (1958) كان له أثر عميق في حياة صاحب «الأيام المخمورة»، إلا أنّ النكسة شكّلت صدمة لوعيه ولنتاجه المسرحي. قيل حينها إنّه حاول الانتحار، لكنه عاد ليكتب من وحي الحدث مسرحيته الشهيرة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران»، راصداً واقع العرب المأزوم. غاص بعدها في نقد لاذع للواقع السياسي، وتبنى مفهوم «تسييس المسرح» وإشراك الجمهور في اللعبة السياسية. المسرحي الذي عزا مرضه الخبيث إلى وجود إسرائيل، لا تزال أعماله تلقى رواجاً ويعاد تقديمها على الخشبات العربية، من «جثة على الرصيف» إلى «الفيل يا ملك الزمان»، إلى «يوم من زماننا» و«منمنمات تاريخية» التي جعلته يستحق لقب «بريخت العرب». كان أوّل كاتب عربي يدخل (بالعربيّة) ريبرتوار «الكوميدي فرانسيز» التي تقدّم له ابتداءً من اليوم في باريس (حتى 11 تموز/ يوليو) رائعته «طقوس الإشارات والتحوّلات»، إخراج الكويتي سليمان البسام.

وحشتينا

عام على غياب وردة (وردة محمد الفتوكي). خلال هذه الفترة، كانت المطربة الجزائرية الشغل الشاغل للإعلام وصناع الدراما والتكريم في المهرجانات. أكثر من كاتب ومخرج ومنتج، أعلنوا رغبتهم بتقديم سيرتها في أكثر من عمل درامي، لعل أبرزهم صلاح الشرنوبي. وفي ذكرى رحيلها، أنجز الإعلامي وجدي الحكيم شريطاً تسجيلياً عنها تضمّن تسجيلات نادرة لها لمصلحة التلفزيون الرسمي الجزائري. كما أُطلقت أغنية وكليب «أيام» الذي أنجزه نجلها رياض القصري (كتابة الشاعر اللبناني منير بوعسّاف ولحن وتوزيع بلال الزين). استطاعت وردة أن تظل نجمة على امتداد مشوارها، رغم ابتعادها عن الأضواء مرتين بسبب زواجها أواسط الستينيات، ولأسباب صحيّة عام 2001. لكن كل مرّة، كانت تعود وتواكب العصر في أعمالها، واستمرت في العطاء حتى رحلت على غفلة. هي امرأة استثنائيّة، شقت طريقاً صعباً وحصدت نجاحاً كبيراً مع أغنيات لن تغيب عن البال. نشأت في باريس، حيث ولدت لأب جزائري وأم لبنانيّة من عائلة يموت. وانطلقت نجوميّتها بين بيروت ودمشق، وتحديداً في الأغنيات الوطنيّة والثوريّة، أبرزها أوبريت «الوطن الأكبر» لمحمد عبد الوهّاب عام 1958، و«أنا من الجزائر أنا عربية» و«كلنا جميلة» (بوحيرد) عبر الإذاعة السوريّة أيام الوحدة. هنا، ابتسم الحظ لها أكثر من مرّة، واختارها المخرج والمنتج المصري حلمي رفلة للمشاركة في فيلمه «ألمظ وعبده الحامولي» (1962)، فبدأت رحلتها في المحروسة. لفتت انتباه الملحنين هناك أمثال رياض السنباطي وبليغ حمدي الذي ارتبطت معه بقصة حبّ توجت أيضاً بالزواج.




أيقونة | ساحرة الملايين

سحرت الملايين بجمالها وأعمالها وحضورها المسرحي الآسر، فتربّعت على عرش الغناء العالمي لسنوات. صحيح أنّ داليدا (1933 ــ 1987) إيطالية الأصل، لكنّ ولادتها في حي شبرا المصري خلقت علاقة خاصة بينها وبين أرض الفراعنة التي غنّت لها «حلوة يا بلدي» (1979). تلمّست يولاندا كريستينا غيغليوتي بدايات الشهرة بفوزها بلقب ملكة جمال مصر عام 1954، قبل أن تبدأ حياتها الفنية في فرنسا. في رصيدها أكثر من 500 أغنية بتسع لغات، مثل العربية، والإيطالية، والفرنسية، والإنكليزية، والاسبانية. وفي 1978، كانت داليدا بين أوائل من صوّروا أغنياتهم بطريقة الفيديو كليب في باريس، وأضافت إلى رصيدها 12 فيلماً، من دون أن ننسى الألقاب والأوسمة، بينها «ميدالية رئاسة الجمهورية الفرنسية» التي قدّمها لها الجنرال ديغول. بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة، أسدلت النجمة الستار على مسيرتها، تاركة رسالة بعنوان «سامحوني الحياة لم تعد تحتمل».