لدى «المجلس الوطني للإعلام» قدرة دائمة على مفاجأتنا وإدهاشنا. بدلاً من أن يكون ضامن حريّة التعبير، تشاؤه التركيبية اللبنانيّة خادماً لدى السلطات والدكاكين المختلفة في مملكة الطوائف، مهمّته ضبط الحريّات وتحجيمها وتقييدها. في ختام اجتماع «المجلس» لمناقشة التقرير الثاني عن أداء الاعلام المرئي والمسموع، أطلق رئيسه عبد الهادي محفوظ أحد تلك النداءات التي يملك سرّها: «نطالب مؤسسة LBC بشخص رئيس مجلس إدارتها الصديق بأن يوقف كل تماد في التعامل مع الرموز الدينية عبر برامج فكاهية».
ويمضي في شرح الأسس الفلسفيّة لندائه: «لأن الجمهور قد يتفهم مسألة أن يستخدم السياسيون في برامج فكاهية وبرامج ساخرة، لكنه لا يتفهم أن تقحم مراجع دينية في هذا الامر». هذه الـ«قد» فظيعة، إذ تقول إن نقد السياسيين حتى ليس مستحبّاً في العمق، لكنّه مقبول على مضض! وهنا يبلغ النداء ذروته العبثيّة: «خصوصاً أنه نمي إلينا أن الزميل شربل خليل سوف يستمر في مثل هذه البرامج الإعلامية».
أين المشكلة إذا جسّد شربل خليل بطرك الموارنة السابق صفير بطريقة فكاهيّة، ما دام الأمر لا يمسّ بالعقائد ولا الإيمان ولا الكرامات؟ (الرابط على موقعنا). بالنسبة إلى المرجع الديني، «قد» يختار أبناء طائفته أن يدينوا له بطاعة عمياء، وهذا حقّهم. لكنّهم لا يستطيعون أن يلزموا بهذا السلوك سائر أبناء الشعب والوطن الذين يقفون خارج دائرة الطاعة، في حين تتأثّر مصالحهم وحقوقهم وسعادتهم وأمنهم واستقرارهم وحياتهم… بمواقف المرجع المذكور. إذا نظّمنا قواعد المسموح والممنوع على أساس حساسيّات كلّ جماعة من الجماعات التي تشكّل النسيج اللبناني، فسنعيش في ظلاميّة وجاهليّة أين منهما القرون الوسطى؟ المفروض بالعكس، أن يخضع الأفراد على اختلاف عقائدهم وانتماءاتهم إلى منطق مدني واحد يضمن حريّة الجميع، ودولة قانون تحمي كرامة الجميع.
نداء عبد الهادي محفوظ يقول لنا إن رجال الدين ليسوا بشراً عاديين، بل أشباه آلهة، ممنوع أن نرفع رؤوسنا وننظر إليهم! باسم أي منطق نخلق أصنام الجمهوريّة المحظور التعرّض لها؟ كلّ مواطن يتدخّل في الشأن العام، مهما عظم شأنه، من حقّ الرأي العام أن يحاسبه. الشخصيّة العامة التي تعلن مواقف، وتأخذ قرارات، وتؤثّر في شؤون الناس والحاضرة والسياسة والاجتماع، تصبح عرضة للنقد، والسخرية نوع راق من أنواع النقد. إذا كان النقد الساخر قلّة احترام، فكيف نسمح بأن يخضع له السياسيّون إذاً؟ في مناخات التوتر والقلق والخوف ورائحة الموت التي يعيشها اللبنانيّون، الضحك يحرّر من الحقد، ويشفي من التشنّج، ويطهّر من الطاقات السلبيّة، ويضع مسافة نقديّة بيننا وبين المطلق، ويفضح الكذب، ويعطي الأمل، ويقرّب الناس. الضحك مقدّس. إنّه ضمانة من ضمانات السلم الأهلي، وعلى المؤسّسات الدستوريّة حمايته. أيّها السادة… أخذتم كل شيء، اتركوا لنا الضحك!

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@