خلال الدورات السابقة، حاز كل من جوانا حاجي توما وخليل جريج ورائد ياسين «جائزة أبراج كابيتال للفنون». أما في دورتها الخامسة، فكانت الجائزة من نصيب ريان تابت وفارتان أفاكيان (راجع المقال أدناه) من لبنان، بالإضافة إلى هرير سركيسيان (سوريا)، إيمان عيسى (مصر) وهوما مولجي (باكستان). تقدّم «جائزة أبراج» سنوياً منحة بـ 100 ألف دولار لإتمام عمل يقترحه الفنانون على اللجنة. وقد قدِّمت أعمال الفنانين الخمسة ضمن معرض «آرت دبي» الذي أقيم أخيراً. 5 آلاف قطعة من الرصاص المصبوب موزعة على أرض المعرض مع ورقتين على الحائط كتب عليهما نصان بالعربية والإنكليزية: «وجه العدو مرسوم في الرصاص». إنّه عنوان العمل الفني (الصورة) الذي قدمه ريّان تابت في «آرت دبي». انطلاقاً من تقليد صب الرصاص في المياه لكشف وجه الشرّ، قام تابت بصبّ ما يعادل 100 غرام من بودرة الرصاص المسيل على النار في فنجان مليء بالماء، ليصنع كل قطعة. عملية تعتمد التكرار، ولا يملك فيها الفنان قدرة التحكم بشكل القطعة إثر التقاء الرصاص السائل بالمياه. أما على الحائط، فكتب على ورقة بخط يده بالعربية «نحن قوم مصاب في العين/ ووجه من أصابك يظهر في الرصاص/ حين يسكب في الماء/ فلنذب كل ذخيرتنا ونلقها في الماء/ علّنا نرى فيها وجه كل الأعداء». على الورقة الثانية نصّ بالإنكليزية حيث يلعب تابت على ثنائية المعنى لتتم قراءته على أنّه سرد لأفعال تدعو إلى صبّ الرصاص في المياه وتحديد العدو، فإتمام فعل رميه بالرصاص. نصٌ يوجّه تحية إلى الفنان الأميركي ريتشارد سيرا (1939) الذي قام بين ١٩٦٧ و١٩٦٨ بتقديم «لائحة أفعال»، وهو نصّ كتبه بخط يده يسرد فيه أكثر من 100 فعل يرتبط صنعها بشيء ما، علماً بأنّ مادة الرصاص كانت مادة أساسية في أعمال فنان الفيديو والنحات الأميركي.
في «وجه العدو مرسوم في الرصاص»، يقدم ريان تابت فعلين متناقضين يستعمل فيهما الرصاص. الفعل البديهي للرصاص هو القتل، فيما الفعل الثاني هو كشف وجه الشر: «فلنذب كل ذخيرتنا ونلقها في الماء/ علّنا نرى فيها وجه كل الأعداء». جملة بسيطة تحيلنا إلى قراءات لامتناهية. أي ذخيرة؟ وأي أعداء؟ أتلك الذخيرة الفاسدة التي زوِّدت بها الجيوش العربية عام ١٩٤٨ لمحاربة إسرائيل، أو تلك المخزنة في مستودعات الجيوش العربية التي لم تصب يوماً إسرائيل؟ أم تلك المرسلة إلى الحركات السلفية والأصولية في البلدان العربية؟
اللافت أنّ الفنان لا يذكر أحداً في عمله، بل يترك للتعويذة حلّ الأحجية، والتقاليد الشعبية لا تتأثر بالسياسة الاستراتيجية لتحديد العدو، بل «وجه من أصابك يظهر في الرصاص/ حين يسكب في الماء». انظر في 5 آلاف قطعة، 5 آلاف وجه للعدو. لا يقف طرح الفنان عند خطابات المنظمات غير الحكومية (السلميّة)، بل يدعو في نصه الثاني إلى تحديد العدو لرميه بالرصاص. إنها المادة ذاتها التي تكشف العدو وتقتله. المصادفة أنّه عندما قرر تابت تنفيذ عمله، اكتشف أنّ المعمل الوحيد للرصاص في لبنان هو في طرابلس، فاشتراه من هناك. مدينة ربما على أهلها أن يصبّوا ذخيرتهم في مياه نهر أبو علي، فيظهر وجه أعدائهم الحقيقيين، أو أن يقصدوا المعرض ليروه هناك.





zoom | تأريخ الموجز

نال فارتان أفاكيان أيضاً «جائزة أبراج» هذه السنة. في غرفة سوداء، قدم الفنان اللبناني سبع كرات بلورية بقطر ١٣ سنتم، تحتوي كل واحدة على تمثال صغير، تحت عنوان «تأريخ الموجز» (الصورة). صُنعت التماثيل من الذهب، (أونصة ذهب لكل واحدة بطول ٥٠ سنتم)، مجسدةً سبعة أصحاب انقلابات فاشلة في العالم العربي.
في زمن هدم نصب الحكّام المخلوعين في العالم العربي، قرر أفاكيان أن يصنع تماثيل لشخصيات لم تسنح لها الفرصة بنصب تماثيلها الخاصة بسبب فشلها في تسلّم الحكم. إنّها شخصيات لا يتوقف عندها التاريخ. هكذا قرر أفاكيان الاحتفاء بالفشل والهزيمة. صنع تماثيل محفورة بأحد أغلى المعادن وجعلها محبوسة ضمن بلورات، بعدما حُكم عليها بالتدحرج الأبدي، وبالتالي فهي نصب تأبى الانتصاب.
عبر عمله، أراد أفاكيان نقد النصب التذكارية ودافع إقامتها، والأشكال المتداولة لها. بينما نجدها تحتلّ الساحات العربية وتسجل سلطتها عليها بأحجامها الكبيرة، نشاهدها في «تأريخ الموجز» صغيرة ومحتجزة داخل البلور، يمكن نقلها إلى أي مكان آخر. تبقى البلورة الفضاء الوحيد الذي تسيطر عليه الشخصيات، وهي أسيرته معاً. عبر اعتماد البلورات الزجاجية، يحيلنا الفنان إلى تلك الألعاب أو الأغراض التزيينية التي تحوي غالباً معالم سياحية مثل برج إيفل، أو تمثال الحرية. هي ليست سوى رمز لبلد ما. أما هنا، فالبلورات رمزٌ للهزيمة، ولتاريخ لم يكتمل. شخصيات معلّقة في اللافعل، عاجزة عن الانتصاب انتصاراً، ولا تتحطّم في انحدارها، بل تعود إلى الانتصاب فالتشقلب. هكذا استدعى أفاكيان تلك الشخصيات من النسيان، ليعيد إظهارها وتسجيلها في التاريخ الفني/ السياسي، مؤطّراً إياها في دوامة الشقلبة الأشبه بلعنة إغريقية لا نهاية لها.
من بين تلك الشخصيات، خصّص أفاكيان كرةً لعزيز الأحدب الذي كان عميداً في الجيش اللبناني وقام بمحاولة انقلاب عبر سيطرته على القناة السابعة سنة ١٩٧٦ وتلاوة بيان على التلفزيون ليعرف بـ«جنرال التلفزيون». أخذت تماثيل الحكّام حيزاً رئيساً من اهتمامات الفنانين العرب أخيراً كاللبناني علي شرّي، والمصرية إيمان عيسى. لكن أفاكيان يضيف قراءة جديدة تقارب الموضوع من زاوية النصب التي لم ترفع يوماً، والاحتفاء بالهزيمة. غير أنّ السؤال المطروح يتعلّق بخيار أفاكيان بعرض بلوراته معلقة، وثابتة، ومضاءة في غرفة معتمة. خيار العرض يتناقض مع طرحه، إذ يعيد تكريس ثبات البلورات، ويمنع تدحرجها، ويوليها أهمية كبرى عبر تعليقها وإنارتها، لتعود الشخصيات وتنتصب بمجدٍ بدل الهزيمة.
روي ...




دورة 2014 | ندى رازا

أعلنت اللجنة المنظمة لـ«جائزة أبراج كابيتال للفنون» عن تعيينها ندى رازا كقيّم ضيف على الدورة السادسة لعام 2014. وستنضم رازا إلى لجنة اختيار مختصة ستعمل على تحديد الفنانين الفائزين الخمسة بعد عملية اختيار دقيقة. وحال اختيار الفائزين، ستعمل رازا مع هؤلاء لمساعدتهم على تنفيذ مشاريعهم الفنية التي ستُقدَّم في معرض خاص ضمن فعاليات «آرت دبي» في آذار (مارس) 2014. وتُمنح «جائزة أبراج» للفنانين على أساس المقترحات المقدّمة بدلاً من الأعمال المنجزة. أما رازا، فتعمل حالياً في متحف «تيت مودرن» في لندن كقيّمة مساعدة تركّز على المشهد الفني المرتبط بمنطقة جنوب آسيا.