مع بداية 1973، بدأت تسود موضة «الماكسي» أو الثوب الطويل. يومها، تناولت الصحف العالمية الموضوع بعناوين مثل «وتغطت الركبتان». كانت «آخر ساعة» المصرية من بين المجلات التي ذكرت تلك «الموضة التي غطت الركبتين تماماً»، والكثير من الممثلات الشهيرات عبّرن عن استهجانهن بالقول: «موضة الماكسي اخترعتها ذوات السيقان القبيحة». المصمم الفرنسي الشهير بيار كاردان قال وقتها محذّراً: «العودة إلى ما تحت الركبة، مؤامرة، والعالم سيعود عشرات السنين إلى الوراء». المعرض الحالي الذي يقام في دبي احتفاءً بالسترة الصغيرة التي ابتكرتها المصمّمة الفرنسية كوكو شانيل، يدفع إلى تساؤلات قد تبدو طريفة للبعض، لكنها مؤلمة في الواقع. بعد قرون طويلة من التجلبب الأعمى الذي لفّ عيوب المرأة ومفاتنها، وبشراسة ذكورية متحالفة مع العادات والتقاليد والأديان السماوية، جاء القرن العشرون ومعه أزياء كوكو شانيل، التي زاوجت بين الأزياء الرجالية والنسائية. تجرّأت على تقصير ثياب النساء بضعة سنتيمترات، لتصبح ملائمة لتنقّلهن بالتراموي. أيضاً، مع أزياء الآنسة شانيل، أصبحت المرأة تدرس تضاريس جسدها، فترتدي ما يخفي العيوب ويبرز المفاتن. وغدت تعبّر عن تحررها من خلال ما ترتديه، فتعتمر قبعة مزينة برأس ثعلب، وتتدثر بمعطف من جلد نمر، وتحتذي حذاء من جلد الثعبان، وتضع أغراضها في حقيبة من جلد تمساح، وتجزئ قلبها، وتقسّمه إلى غرف سرية من دون أن تكترث لما قد يقوله عنها الرجل. أصبحت المرأة «محبوبة» من دون استكانة، أو غبن، تحمل طموحات بعيدة، وأشهرت في وجه الذكور، رغبات متأججة كشف عنها الميني جوب، وآمالاً كبيرة بكعوب عالية. ومثل آلهات العالم القديم اللواتي يكشفن عن رؤوسهن وأثدائهن، تجولت النساء في أروقة عروض الأزياء في العواصم الأوروبية. ومع الميني جوب، لم يستدِنّ حقوقهنّ أو يستعرنها موقتاً من الرجل أو التاريخ. أخذنها منتصرات ومصرّات ولم يلقين بالاً لعيون التقاليد المتوسلة.
«ماري كوانت» كانت أول دار أزياء تبتكر موضة الميني جوب في لندن، وأخذت شهادة تقدير من ملكة انكلترا بسبب العملات الصعبة التي أدخلتها إلى البلد في بداية السبعينيات.
كرّت عجلة العقود والسنين وأثبتت الأيام مقولة كاردان حول اعتبار الترويج لأزياء تغطي الركبتين مؤامرة ستعيد العالم إلى الوراء... وأي وراء عدنا إليه؟! وراء أكثر مما خطر في بال كثيرين. من بين العواصم العربية، تكاد بيروت تكون الوحيدة التي تحفظ لي حقي بارتداء الميني جوب، فهل أجرؤ مثلاً على ارتداء الميني جوب في شوارع القاهرة اليوم؟! ذلك السؤال غدا شرعياً بحق كل العواصم العربية، أو حتى السترة السوداء الصغيرة التي ابتكرتها يوماً كوكو شانيل والآن تحتفي بها دبي، هل أستطيع ارتداءها بارتياح؟! فيما تسربل العباءات النسبة العظمى من نساء العرب، والتجلبب الكامل بالأسود، طغى على أجساد غالبية العربيات، ويهدد النسبة الضئيلة الباقية من النساء اللواتي تسمح لهن ظروفهن الاجتماعية بارتداء ما يردنه. شتان بين أسوَد كوكو شانيل، وأسوَد الجلابيب.