القدس المحتلة| يصعب الحديث اليوم عن كاميليا جبران (1963 ـ عكا) من دون ربط ما تركته في ذاكرة جمهورها العربي، وخصوصاً الفلسطيني، مع ما تقدمه اليوم. لدى مَن يعرف كاميليا، ما يقوله حول «النقلة» من «صابرين» (فرقة فلسطينية قدمت أعمالاً من ألحان سعيد مراد وكلمات شعراء عرب) إلى العالم.
قد يظن محبّوها أنّ عنوان هذه النقلة هو «الموسيقى الإلكترونية»، لكنّه بالتأكيد ليس كذلك. الموسيقى الإلكترونية تتصرف في موسيقى كاميليا كأي آلة موسيقية أخرى. ما زالت هذه الموسيقى تندرج تحت خانة الموسيقى العربية، بعيدة كل البعد عن أطر الموسيقى الإلكترونية لسبب بسيط، هو أنّ الإلكترونيات لا تمسّ صوت كاميليا، بل تتصرف كإضافة آلاتية لصوتها. إضافة تراوح بين الملائمة وغير الملائمة، وصولاً إلى المزعجة. عود كاميليا يبقى حياً أيضاً، ولا يلامس الإلكترونيات في معظم حضوره. افتراض أنّ هذه الإضافات كافية لتعريف الموسيقى الناتجة كـ«موسيقى إلكترونية» سيؤدي إلى تعريف غالبية الأعمال التي تقدّم اليوم كموسيقى إلكترونية، بدءاً من زياد الرحباني انتهاءً بموسيقى الأعراس.
هذا الدمج بين صوت كاميليا ومرافقات فيرنر هاسلر الإلكترونية الذي سنستمع إليه غداً في DRM، يلمس نوعاً من «تطوّر شخصية» وبناء ثبات وحضور، فهاسلر وقف مهمّشاً في ألبوم «وميض» (2004). حاول الاقتراب من صوت كاميليا وملاءمة نفسه، بينما نسمعه يفتتح عمل «ونبني» بارتجال موسيقي سبق غناء كاميليا. يمكننا الاختلاف بشأن جمالية ارتجال الترومبيت «المزعج» المغلّف إلكترونياً، لكن تأديته قبل الغناء وبنفس الروح الغنائية التي ستليه، تذكّرنا بمبنى الأغنية الشرقية حيث الارتجال يمهد ويهيّئ الطريق للغناء.
ولدت الموسيقى الإلكترونية في منتصف القرن العشرين خلال البحث عن «حالات صوتية» جديدة بمساعدة أجهزة إلكترونية بعد «الارتواء» كلياً (أو الظن بذلك) مما تستطيع تقديمه الآلات الطبيعية، وهو ما لا نجده في أعمال جبران. الصوت نفسه سيصل إلى المستمع، أكان بمرافقة إلكترونية أم لا. لكن ما يمكن لمسه في الأعمال الجديدة، قد يكون عنوان النقلة من «صابرين» (القدس) إلى العالم، ألا وهو الحرية ـــ العبثية أحياناً ــ في استخدام هذا الصوت القوي والمهني. بمعنى آخر، إنّه انتقال صوت كاميليا من أيدي الملحن سعيد مراد (أحد أبرز الملحنين الفلسطينيين ومؤسس فرقة «صابرين» أبرز تجربة غنائية في فلسطين في وقتها) إلى كاميليا جبران ملحّنةً، لا مغنيةً فقط.
في كل عمل جديد، تفاجئ كاميليا جمهورها بالمزيد، هو الذي يظنّ أنه مدرك لقوة صوتها وإمكاناته. هي الوحيدة المدركة لقدرات هذا الصوت الحقيقية، ولعلَّ إدراكها هذا كان السبب الرئيسي في الانتقال من كاميليا المغنية إلى كاميليا الملحّنة. تؤدي جبران ألحانها بطريقتها الخاصة. في «ونبني» (الألبوم ـ2010) يميل صوتها إلى التذكير مرةً بالغناء المصري، ومرةً بالغناء المغربي كما الأرثوذكسي الكنائسي. ما يميز اللحن في هذا الألبوم هو انعدام المبنى الواضح. لو استمعنا إلى جميع الألحان تقريباً (موسيقى من غير الكلام)، يمكن ملاحظة انفرادية الجمل الموسيقية واستقلاليتها، أي لو قمنا بتفكيك هذه الجُمل الموسيقية وتبديلها في ما بينها، فلن نشعر بفرق يذكر، فهناك انعدام بدايات واضحة ملحقة بتطور وبلوغ قمة ثم العودة. لكن في الوقت ذاته، يمكن الإشارة إلى قاعدة واحدة تجمع جُمل الأغنية الواحدة. الشعور بإمكانية العبث في ترتيب هذه الجُمل، لا يلغي اللون المشترك والتقارب الواضح في أدائها، ويدل على الصعوبة والتفكير الجدي عند تلحينها لمنع انضمام «جُمل دخيلة» سهواً. فقدان المبنى المرتب الواضح والتصاعدي هو نهج جديد نسبياً نشأ في أوروبا في بدايات القرن العشرين، وكاميليا تختبره على أذن مستمع شرقي اعتاد غناء أو «دندنة» (على الأقل) قسم ليس ببسيط من لحن أغنية كان قد سمعها للتو. وفي حالة جبران يحتاج المستمع ربما إلى عشرات المرات لفعل ذلك.
«أهل الشاطئ» يعودون في «ولسنا». عودة مرفقة بعناصر موسيقية رئيسية من الأغنية الأولى، من خلالها تنهي جبران ما بدأته في ألبومها «وميض». «ولسنا» هي قمة التألق في ألبوم «ونبني». «ولسنا» هي الدلالة على تطوّر فهم هاسلر لكاميليا (وليس فهمهما لبعض). الكلمات التي عادت من «وميض» لتتكرّر في «ولسنا» تُسمعها كاميليا كارتجال على ما كان (نحن أهل الشاطئ الآخر/ سجناء مرآتنا الخاصة)، كذلك يكرر هاسلر الموتيف الإيقاعي الأصلي ليرتجل هو أيضاً.
* موسيقي فلسطيني

كاميليا جبران وفيرنر هاسلر: 20:30 مساء غد الخميس ـــ «جمهورية الموسيقى الديموقراطية DRM» (الحمرا ـ بيروت) ـ للاستعلام: 70/030032
http://drmlebanon.com/




«وصل» قريباً

في الأسبوع الثالث من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، يبصر «وصل» النور. المشروع الفني الذي يمزج الموسيقى والشعر، يجمع كلاً من عازفة العود الفلسطينية كاميليا جبران، إلى جانب عازفة الكونترباص الفرنسية سارة مورسيا التي سجّلت مع فرقة «صابرين» ألبومها الأخير وشاركت معها في إحياء عروض موسيقية عدة، وعازف الترومبيت والموسيقى الإلكترونية فيرنر هاسلر، إضافة إلى الشاعر الفلسطيني سلمان مصالحة والشاعر المغربي حسن نجمي. تركّز جبران على هذا الاختلاف بين الشاعرين، فواحدهما مشرقي والآخر مغربي، وقد سبق لها أن تعاملت مع نصوص لهما. وبمبادرة ودعم من مؤسسة Royaumont الفرنسية، ستجرى اللقاءات والإقامة في مقر المؤسسة في شمال باريس.