صنعاء | عادت أبواب محاكم الصحافة اليمنية لتستقبل متهمين جدداً. كأنّ هذه المحاكم لم تشبع من أكل تاريخها، أو كأن تاريخاً جديداً قد انطلق مع طريقة جديدة في التعامل مع أصحاب السلطة الرابعة. في الإعلام المكتوب مثل المرئي، يواجه أصحاب الكلمة في اليمن وضعاً صعباً للغاية.بعد رحيل علي عبدالله صالح، وقعت مفارقات غريبة ومؤلمة في آن واحد: رفض الرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي الحديث عن أي شيء يخصّ الصحافي الشاب عبد الإله حيدر شائع المسجون بأوامر من الدولة الأميركية.

وهو صحافي كان مختصاً في شؤون تنظيم «القاعدة» ويمتلك قدرة على التواصل مع أعضائه. وفوق ذلك، هو أول صحافي يمني استطاع الكشف عن ضربات الصواريخ الأميركية القادمة عبر الطائرات من دون طيّار على الأراضي اليمنية، تلك القصة التي صارت الآن حديث العالم. وفوق كل ذلك، يتعرض هذا الصحافي المسجون منذ أكثر من ثلاثة أعوام لعمليات تعنيف داخل زنزانته، لم يكن يتعرّض لها حتى أيام الرئيس السابق. والمضحك هنا أنّ أول قرار اتخذه الرئيس الجديد في ما يخص الصحافة هو تعيين صحافي (مراسل جريدة «الحياة» السعودية) رئيساً لأكبر جريدة في البلد واسمها «الثورة»، تاركاً حيدر شائع وراء القضبان، علماً بأنّ الرئيس يملك حق العفو عن مُرتكب جريمة ما، رغم أنّ الصحافي حيدر شائع لم يقم بأي جرم ولم يحمل سلاحاً. لكن يبدو أنّ الرئيس الجديد يحرص على كسب رضى باراك أوباما الذي كان قد تدخّل قبلاً لعدم إطلاق سراح حيدر شائع يوم أصدر علي عبدالله صالح قراراً بالإفراج عنه. أما أول قرار اتخذه هذا الصحافي الجديد الذي عُيِّن في «الثورة» فهو منع ثلاثة صحافيين من دخول الجريدة لأنّهم انتقدوه على فايسبوك! لكنّ السخرية الكبرى قد تأتي من رفع جهات تابعة لحزب «الإصلاح» الديني، الذي صار يحكم البلد فعلياً بعد الثورة، دعاوى قضائية ضد جرائد أسهمت في الكشف عن الفساد العظيم الذي كان يحصل أثناء الثورة في ما يختص في التعامل مع الجرحى الشباب.
تقول الوثائق إنّ تلك الجهات كانت تتسلم مبالغ كبيرة جداً من دولة قطر للصرف على أولئك الجرحى، لكن تلك الأموال لم تكن تذهب إلى المحتاجين إليها. والقضية الآن باتت في محكمة الصحافة وموجهة ضد جريدة «الأولى» اليومية. ويطالب المدعون عليها بمبلغ مئة مليون ريال يمني كتعويض، وهو مبلغ خيالي يمكن أن يغلق الجريدة إلى الأبد. والمشكلة أنّ المحكمة قبلت الدعوى وتسير فيها!
وهناك أمر أكثر إيلاماً لم يحدث حتى في عصر علي عبدالله صالح. إنّه محاولة تفجير مبنى من خمسة طوابق في صنعاء يحوي قناة تلفزيونية شبابية وجريدة «المصدر» اليومية التي يملكها الصحافي الشاب سمير جبران. الصدفة فقط هي التي أدّت إلى اكتشاف تلك العبوة التي كانت معدّة للانفجار ويوازي حجمها حجم كفّ اليد. وأورد التقرير الأمني بعد معاينة المكان أنهّا عبوة لا يمتلكها غير الجهاز الاستخباري في اليمن! باختصار، الثورة ليست مستمرة أو كأنّ الثورة لم تقم.