«العائد»إخراج: أليخاندرو غونزاليس إيناريتو.
سيناريو: مارك ل. سميث، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، عن رواية لمايكل بانك.

دراما منحوتة في الثلج، ينتزعها السينمائي المكسيكي من البارود المشتعل والوحوش الجائعة، ليجلبها على طبق من اللحم النيء. رحلة صاعقة تجعلنا نتساءل في كل لحظة: إيناريتو، كيف فعلتَ كل هذا؟ نحن في الثلوج الشمالية الغربيّة لأميركا عام 1823. «هيو غلاس» (ليوناردو دي كابريو) صيّاد وتاجر فراء خبير بجغرافيا ولايات وايومينغ ومونتانا ونبراسكا وداكوتا. ينجز عمله مع حملة صيد عسكريّة الطابع. يتعرّض لغدر وحشي إثر إصابته بهجوم لأنثى دب خائفة على صغارها، فيعيش بطاقة الانتقام. برد يفتك بالعظام. دببة شرهة للدماء. انهيارات ثلجية ونيازك هابطة وشلالات هادرة. ضوء طبيعي طوال الوقت. الطبيعة شخصية مستقلّة بحدّ ذاتها، تجمع بين القسوة والرحمة، وبين العنف والسكون. سرد كلاسيكي لتيمة «رجل ضد الطبيعة» من ذاكرة شبح. عن الفقد والعائلة والثقة والتشبّث بالحياة، يذهب أليخاندرو بعيداً في الخيال والمعايير والهوس بالكمال. يعيد الاعتبار إلى «جنر» الويسترن وأنماط الدرجة الثانية B-Movie عموماً. يبجّل السينما التقليدية في الصناعة، محققاً شعريةً خشنةً في أكثر بقاع العالم قسوةً.

«ماكس المجنون: طريق الغضب»
إخراج: جورج ميلر.
سيناريو: جورج ميلر، بريندان ماكارثي ونيك لاثوريس.

بعد 30 عاماً، تعود السلسلة الشهيرة في جزء رابع. ميل غيبسون تفرّج على توم هاردي يقوم بدوره، إلى جانب تشارليز ثيرون. بعد نهاية العالم، يحتدم الصراع على «طريق الغضب» بين ثوّار وطاغية، بين بشر ومسوخ. ويسترن ما بعد حداثوي، يولّف السينماتوغرافيا والإخراج الفني والمؤثرات البصريّة والإيقاع اللاهث، للخروج بشريط مذهل، يليق بأوسترالي كبير مثل ميلر.


«سبوتلايت»
إخراج: توم ماكارثي
سيناريو: جوش سينغر وتوم ماكارثي.

شريط يعيد الاعتبار لمعنى الصحافة الحقيقي. نحن بصدد ملابسات تحقيق استقصائي كبير، فجّره فريق «سبوتلايت» في جريدة «بوسطن غلوب» الأميركيّة عام 2001، عن تورّط عدد من الرهبان الكاثوليكيّين في أفعال تحرّش بأطفال. الأدهى أنّ الكنيسة كانت على دراية بذلك ولم تتحرّك، مكتفيةً بنقل بعض «الآثمين» من مكان إلى آخر. الجميع متواطئ في تكريس الصمت والتجاهل: النظام القضائي، والبوليس، ونخب الإدارة، ورموز المجتمع، وحتى بعض أهالي الضحايا. إيقاع هادئ، رزين، يتناسب مع قضيّة لا تحتمل إثارة مجانيّة. المهم هو مخاطبة العقل لتكوين رأي عام، ينبذ السكوت والصمت. هذا الدور الأوّل لمايكل كيتون بعد أوسكار «بيردمان»، وتألّق آخر لمارك روفالو.


«جسر الجواسيس»
إخراج: ستيفن سبيلبرغ.
سيناريو: مات شارمان، إيثان كوين وجويل كوين.

بيوغرافيا عن المحامي جايمس ب. دونوفان، الذي يكلّف بالدفاع عن جاسوس سوفياتي في ذروة الحرب الباردة. كالمعتاد، وصفة الثلاثي سبيلبرغ ــ كامينسكي ــ هانكس لا تعرف الفشل. السينمائي الأميركي ماهر في الأفلام الشعبوية، المتقنة الصنعة، ذات الرفعة الكلاسيكية. أميركا أمّة لا تهادن في قيم العدالة والحريّة والعائلة: «كلّ فرد يهم. كلّ شخص يستحق دفاعاً». فلتة الضوء يانوش كامينسكي شريك سينماتوغرافي دائم منذ «قائمة تشاندلر» (1993). توم هانكس يقف أمام عدسة سبيلبرغ للمرّة الرابعة بحضور محبّب. المسرحي البريطاني الكبير مارك رايلانس يتفوّق بأداء سيبقى في الذاكرة.


«النقص الكبير»
إخراج: آدم ماكاي.
سيناريو: تشارلز راندولف وآدم ماكاي، عن كتاب لمايكل لويس بعنوان «النقص الكبير: داخل آلة يوم القيامة».

كارثة بفداحة أزمة 2008 المالية التي عصفت بأميركا، لا يمكن أن تمرّ من دون التفات هوليودي. مايكل مور عرض حالات من آثارها في Capitalism: A Love Story (عام2009). جي. سي. شاندور تناولها بالأرقام والتحليل في Margin Call (عام2011)، فيما شبّه مارتن سكورسيزي المسؤولين عنها بالعصابات فيThe Wolf of Wall Street (عام2013).
مجموعة من الاقتصاديين الأذكياء، تفطّنوا مبكّراً إلى الهاوية القادمة. هم أمام خيارين أحلاهما مر: تصحّ توقعاتهم فتقع الكارثة القوميّة، أو يفشلون فيخسرون كل شيء. لنكشف عن الوجه القبيح لبروباغندا الحلم الأميركي. هل نحن قلقون على النّاس؟ نعم. هل نطلق جرس الإنذار؟ بالتأكيد، ولكن ليس قبل الاستثمار في ذلك. ضرورة الحوار وعوالم الأبطال تقتضي نطق مصطلحات اقتصاديّة ثقيلة على الشاشة. ماكاي يحاول التغلّب على المعضلة بكاريزما نجومه، فضلاً عن الاستعانة بمشاهير يتولّون شرح المفردات بشخصياتهم الحقيقية، مع ظهور Cameo لحسناوات مثل مارغوت روبي وسيلينا غوميز. خفّة الدم سلاح آخر. تشبيهات حاذقة، وحوار ذكي. كل ذلك لا ينجح دائماً في تقريب المفاهيم المعقّدة إلى المتفرّج العادي. في التصوير، يلجأ ماكاي إلى نفس وثائقي. يتكئ على مهارة هانك كوروين في التوليف المنهك. في النهاية، لا يمكن وصف الشريط بالتحفة والإعجاز، إلا أنّه مفاجأة سارّة من صانع يتوقّع منه المزيد في المستقبل.

«غرفة»
إخراج: ليني أبراهامسون.
سيناريو: إيما دونوهو، عن رواية لها بالاسم نفسه.

دراما دافئة، نعيشها من خلال رؤية الطفل جاك للعالم. الغرفة الصغيرة تعني الكون بالنسبة إليه. تنقلب الأمور رأساً على عقب بعد أن تصارحه أمّه بالحقيقة. تفاصيل صغيرة. عالم نفسي متماسك. مباراة التمثيل السارّة بين بري لارسون، والطفل الفلتة جايكوب تريمبلي. كلّها مكاسب لمصلحة فيلم، يؤخذ عليه بعض الضياع في الثلث الأخير.

«بروكلين»
إخراج: جون كراولي.
سيناريو: نيك هورنبي، عن رواية لكولم تويبن.

شريط كلاسيكي يرافق الإيرلندية «إيليس» التي تهاجر إلى نيويورك بحثاً عن حياة مختلفة. ثمّة اجتهاد أسلوبي محترم، بالاشتغال صورةً ولوناً على ثلاثة أقسام لبنية السرد: إيرلندا قبل السفر ــ بروكلين ــ إيرلندا بعد السفر. سيرشا رونان تثبت نضجاً لافتاً في الأداء. السيناريو المخيّب للآمال في النصف الثاني من الفيلم، لا يضفي الكثير من التفاؤل على حظوظه.

«المرّيخي»
إخراج: ريدلي سكوت.
سيناريو: درو غودار، عن كتاب لآندي واير.

مهمّة إنقاذ أخرى لمات ديمون، تتصدّى لها هوليوود بميزانية ضخمة بعد «إنقاذ الجندي ريان» (1998) لسبيلبرغ. يبقى رائد الفضاء «مارك واتني» وحيداً على الكوكب الأحمر، فتستنفر «ناسا» والولايات المتحدة برمّتها لإعادته إلى «حضن الوطن». باستثناء الجوانب التقنيّة، هذا أضعف الترشيحات من دون منازع. بحق السينما، كيف يتم تجاهل «البغيضون الثمانية» لتارانتينو لمصلحة عمل سطحي ساذج كهذا؟