قد لا تكون الدورة التاسعة من «مهرجان بيروت للرقص المعاصر ـــ bipod» بزخم الدورة السابقة لجهة عدد العروض وضخامتها. لكنّ الحدث السنوي الذي جعل بيروت عاصمة الرقص المعاصر في المنطقة، يعدنا بعروض مشوّقة تراوح بين الرقص المعاصر في لغته الأساسية، والممزوج بالرقص المسرحي كالعروض التجريبية التي يكاد يختفي منها الرقص. وهذه السنة، سيشهد المهرجان الذي تنظمه فرقة «مقامات» (عمر راجح) الدورة الثالثة من «الملتقى العربي للرقص ـــ ليمون» (راجع المقال المقابل).
المهرجان الذي جعل «غرندايزر» يرقص على ملصقه (فكرة ميا حبيس)، يفتتح الليلة بعرض «دموع صافية ـــ مياه معكّرة» (11 و12/4 ــ س: 8:30) لفرقة «تور» البلجيكية في «مسرح المدينة». استوحى الكوريغراف تييري سميتس عرضه من جو الراهن الكئيب. الإحساس بالندم على ما يتوقع اختفاءه، يقود حركة الراقصين السبعة بمشاركة ثلاثة موسيقيين على المسرح.
أحد العروض المنتظرة هو «الجذور» (18/4 ــ س: 8:30، المدينة) للكوريغراف قادر عطو مع فرقة «أكروراب» الفرنسية. عندما كان في العاشرة، عشق عطو الهيب هوب عبر التلفزيون. كان ذلك محفزه الأول لدخول عالم الرقص. في عرضه الجديد، يحاول بناء جسور وصلات وحوارات بين الهيب هوب والرقص المعاصر، باحثاً عن سبل توليد المشاعر من الحركة الميكانيكية. 11 راقص هيب هوب محترفون يحتلون المسرح على إيقاع موسيقى إلكترونية كما موسيقى بيتهوفن وبرامز. ينطلق العرض من جذور الرقص ليصل إلى ذاكرة الأجساد.
من العروض الأبرز في المهرجان عرضان تجريبييان لجوناثان باروز وماتيو فارجيون الآتيين من بريطانيا. بدأ جوناثان باروز (١٩٦٠) مسيرته كراقص في الـ«رويال باليه» في لندن حتى أسّس فرقته. في تلك الفترة، تعرف إلى المؤلف الموسيقي ماتيو فارجيون وبدأ التعاون معه على عروض الفرقة، إلى أن قرر عام ٢٠٠٠ إيقاف فرقته، وتطوير عروض ترتكز على دويتوهات يلتقي فيها كل مرة بفنانين جدد. أما الدويتوهات الأبرز فكانت مع فارجيون التي يقدم منها عرضان خلال «بايبود»: «ندوة تافهة وصورة البقرة» (21/4 ــ س:7:00، المدينة)، و«الرقص يتكلّم» (21/4 ــ س:9:00، المدينة). إلى جانب هذه الأعمال، تعاون باروز في عروض أخرى مع سيلفي غيلام، وأكرم خان، وويليام فورسايث. أما ماتيو فارجيون (١٩٦١) فهو إيطالي الأصل، تابع دراسته الموسيقية مع المؤلف كيفين فولانز الذي ترك أثراً كبيراً في أعمال الثنائي لاحقاً. تأثر بموجة «البساطة الجديدة» التي أرساها كل من فولانز وغيرهالد بيري وكريس نيومن، وكانت عروض فرقة ميرس كانينغهام دافعه لدخول عالم الرقص المعاصر. بعدما تعرّف إلى باروز، بدأ التعاون معه على عروض شارك في تأليف موسيقاها والكوريغرافيا، إلى أن راح عام ٢٠٠٢ يشاركه الأداء على الخشبة.
يرتكز عمل هذا الثنائي على أداء حيّ لموسيقى مؤلفة من كلمات وأصوات يرددانها، مستعينين ببعض الآلات الموسيقية أحياناً. في «ندوة تافهة وصورة البقرة» (٢٠٠٩)، يستعيدان أحد أبرز نصوص القرن العشرين التجريبية «ندوة عن لا شيء» (١٩٤٩) لجون كايج. عبر اتباع نظام كايج في كتابة نصه، يستبدل الثنائي كلمات كايج بكلمات وأصوات أخرى، مع مرافقة لمعزوفات لشوبرت على البيانو في «ندوة تافهة»، وآلات أخرى في «صورة البقرة» مثل الهارمونيكا، والماندولين، مع بعض الغناء، و12 بقرة بلاستيكية موزعة على طاولتين صغيرتين. أما في «الرقص يتكلم» (٢٠٠٦)، فيجلس الثنائي أمام ميكروفون ويرقصان، لكن عبر الكلمات. وعندما يفرغان من الكلمات، يتابعان العرض بأي وسيلة متاحة. يتوزع العرض على خمسة دويتوهات، تتناول أساليب عدة في كتابة الموسيقى والرقص، منها أسلوب الإيقاع الأفريقي، والكورس في «آلام بحسب القديس متى» لباخ، وأسلوب تنويط الكوريغرافيا بحسب رودولف لابان.
من العروض المثيرة التي تقدم أسلوباً مختلفاً من الرقص المسرحي «لست الشخص الوحيد» (20/4 ــ س:8:30، المدينة) لفرقة «دوركي بارك» الألمانية. ينطلق العرض للكوريغراف الأرجنتينية الأصل كوستانزا مكراس من الأسباب المختلفة التي دفعت بممثلين إلى هجرة ديارهم. يلجأ إلى خلط عالم الأساطير بالواقع، فتخلق مكراس عالماً صاخباً على المسرح مع ثمانية راقصين وموسيقيين، وغناء ونصوص وموسيقى وفيديو، معيدة طرح السؤال الأبدي: أين، وما هي الديار؟
على البرنامج أيضاً «يا إلهي ماذا فعلتُ؟» (16/4 ــ س: 8:30، المدينة) للأميركي ميغيل غوتيريز. على صوت السوبرانو الإيطالية سيسيليا بارتولي، يؤدي غوتيريز مونولوجاً يتناول صعود الفنانين إلى النجاح، والنفاق في عالم غير مستقر والنقد الفني، وأحلام ورغبات أكثر شخصية.
أما الختام فمع «روسيا» (26/4 ــ س: 8:30، المدينة) لفرقة «لا فيرونال» الإسبانية. عرض مميز حيث يولي الكوريغراف ماركوس مورو اهتماماً خاصاً بعلاقة الرقص بالتوبوغرافيا. لذلك، يختار لكل عرض بلداً كنقطة انطلاق. بعد «إيسلندا» و«فنلندا» و«سويسرا»، ها هو يأتي بـ«روسيا» (٢٠١١) إلى بيروت. يشكل العرض رحلة ثمانية راقصين نحو بحيرة بايكال في جنوب سيبيريا بين الغابات والثلوج. إنّها رحلة كوريغرافية للخوف. لبنانياً، يعيد عمر راجح تقديم «ذلك الجزء من الجنة» (13/4 ــ س: 8:30 المدينة) مع ميا حبيس، وزي خولي، وبسام بو دياب وهالا أبي راشد وعلي شحرور. طوال العرض، يحوّل الراقص والكوريغراف اللبناني راقصيه إلى نساء في خيار دراماتورجي جندري غير مبرر كفاية، لكنّه يضيف أشكالاً وألواناً زاهية على العرض تتبشع مع تمرّغ الراقصين على الأرضية المبللة. هؤلاء سيرقصون، ويتمتمون كلاماً غير مفهوم، ويرتجفون، ويتألمون، ويكشفون عن مؤخراتهم... تلك هي آثار الحرب الأهلية التي ما زالت تتفاعل في أجساد الراقصين. حرب تقدم لها ميا حبيس في نهاية العرض إصبعها الأوسط!




«مهرجان بيروت للرقص المعاصر ــ BIPOD»: بدءاً من الليلة حتى 26 نيسان (أبريل) ــ «مسرح المدينة»، «مسرح بابل» ــ للاستعلام: 01/753010، 01/343834، 71/616624 ـــ www.maqamat.org

http://www.youtube.com/watch?v=8FVMb2m9sjQ&list=PLF7799EE546B57778