لكي ننتبه، كان لا بدّ من أن تستدعي النيابة العامة المصريّة باسم يوسف إلى تحقيق دام خمس ساعات، يوم الأحد بتهمة «إهانة الرئيس وازدراء الأديان»، قبل الافراج عنه بكفالة. كان لا بدّ من أن تبلغ «السلْبَطة» الإخوانيّة في مصر درجة قصوى من اللامعقول، كي نتوقّف أخيراً عند تفصيل أساسي، أهملناه عقوداً، لانشغالنا بـ «أولويّات» أخرى: «الإخوان» لا يحبّون الضحك. هذا معطى جوهري في تكوينهم وهويّتهم.
يمكن للمرء أن يكون تقيّاً وخفيف الظل في آن، أن يكون مؤمناً وضحوكاً. أمّا «المتأسلمون» الذين تأجّل نقدهم طويلاً ـــ لوجودهم في موقع «المقموع»، تحت نير حاكم مستبدّ وجائر، (أو موقع «المقاوم» في حالة واحدة، صارت من ذكريات الزمن السعيد) ـــ أمّا أولئك «المتأسلمين» نقول، فقد تكون لهم فضائل أخرى، لكنّ المؤكّد أنّهم لا يضحكون. لا يحبّون الضحك، ولا يعرفونه. هذه الزهرة البريّة، لا تنبت على ضفّتي الطريق التي يخيّل إليهم أنّها الوحيدة المشرّعة أمام العباد الصالحين. الجسد اليابس، المتصلّب، المتشنّج، الذكوري، هو عدوّ الليونة والمرونة والطراوة والخفّة والأنوثة، والقدرة على القفز والرقص والتجاوز. وايديولوجيا «العبوس»، في النتيجة، تعبير عن تنافر مع العالم الخارجي، عن خصومة عضويّة معه. وفي كل الأحوال، فإن نبذ الضحك، موقف واضح من شؤون الحاضرة ومشاغل الناس. ليست المشكلة فحسب في «الفزّاعة» الطالعة من خرائب حياتنا اليوميّة، لتعلن القطيعة مع العصر، مع الحياة الدنيا، مع السعادة والفرح، بل إن الخطورة تكمن ـــ كما في كلّ التوتاليتاريّات ـــ في العداء لأي شيء قد يشكّل مسافة مع الفقه الرسمي، أو خروجاً عن حبل الطاعة… كل ما يفلت من القالب الايديولوجي مشبوه حكماً، ومنحرف عن الصراط المستقيم. والكوميديا، تحديداً، خطر دائم، لأنّها فاضحة عاهات، وهنات، وخطابات مزوّرة، وشعارات منحولة. «طرطوف» العربي المتربّع الآن على عرش السلطة، لن يسمح لموليير معاصر بكشفه على حقيقته.
العداء للضحك يفضح لدى المصابين به عجزاً بنيويّاً، إحساساً بالدونيّة. كاره الضحك يعيش حالة ذعر دائم من أن يكون هو موضوع السخرية. والرئيس محمد مرسي صار موضوعاً مثاليّاً لكل أنواع الكاريكاتور والسخرية والتهريج. وكان من سوء حظّه، بعدما كنّست العاصفة كوميديّي العهد البائد، أن يطلع من بين الناس رجل اسمه باسم يوسف، ويصطفي الريّس ضحيّة نموذجيّة لاستعراضه الساخر. طبيب القلب الخفيف الظلّ الذي ظهر فجأة بعد الثورة، خرج من عيادته ليقلب المشهد التلفزيوني. ملايين المشاهدين في مصر وخارجها باتوا ينتظرونه على «سي بي سي»، أو يطاردون حلقات «البرنامج» على اليوتيوب. إنّه معلّق سياسي مناسب للأزمنة المتحوّلة، لا يشبه نموذجاً سائداً في مصر، وإن استقى من الذاكرة المصريّة، والمخزون الشعبي، مراجعه ولغته ومؤثراته… أما تقنيّاته فتنتمي إلى ثقافة عصريّة مشرّعة على العالم. نفح الدكتور الشاب شيئاً من الروح في الحياة السياسيّة المصريّة: بهيّ الطلعة وسط غابة من البشاعة، منفرج الأسارير قبالة طغمة من الوجوه المشوّهة، التماعة عينيه تقطعان مع الغباء المهيمن، ثاقب النظرة فيما الفكر الغيبي يحاصرنا، لافت بوعيه النهضوي في زمن الردّة، كوميدي بالفطرة في مواجهة اللغة اليابسة… هكذا تعاطى مع المأساة التي تشهدها مصر - والعالم العربي - على قاعدة: وشرّ البليّة ما يضحك! نحن نعيش في زمن باسم يوسف. حين سيكتب تاريخ المرحلة الصاخب، لا بد من أن تفرد مكانة لهذه الظاهرة، على خلفيّة المبارزة المتواصلة التي تلخّص الصراع في مصر: باسم يوسف في مواجهة محمد مرسي. «المهرّج» هو رمز جديد لشعب منهك لم يبقَ له سوى النكتة، هو الذي تُشكّل خفّة الظل جزءاً من شخصيّته الوطنيّة. لقد صنع الكوميدي مجده من «الترْيَقة» على مرسي «قاطع الأصابع» ومرتكب الهفوات كما يتنفّس، و«الاسلامي المعتدل» حسب مصطلح كرّسه الخطاب الغربي الخبيث.
الثورة مرّت من هنا، و«الإخوان» خرجوا من سجون الطاغية إلى السلطة، وباتوا خاضعين لكل أشكل النقد. هنا تحت الأضواء الفاقعة، تختفي دوافع التعاطف القديمة معهم، وسائر الأسباب التخفيفيّة لتظهر العيوب في حجمها الطبيعي: خواء، وخطاب أجوف، وجهل بالقواعد، وسلوك كاريكاتوري، وأميّة فكريّة، ونزعة استبداديّة وانقلابيّة، وقصور في الرؤيا، فصام متعدد المستويات، واستعداد لمساومة الوصاية الخارجيّة على الحقوق الوطنيّة. الاطلالات القليلة الماضية لـ «جون ستيوارت» المصري، كانت فتّاكة. «العشق الممنوع» بين الإخوان وأمريكا. لقطة لأوباما يكشّر عن أنياب دراكولا : «القدس الموحّدة ستبقى عاصمة إسرائيل». وباسم يوسف يحاسب رئيسه: «فاكر يا مرسي أيّام الشقاوة، كنت بتقول إيه عن أمريكا؟». لكنّ الأزمنة تغيّرت من لعبة «مَن الذي؟…» (جاء بأميركا، خطاب لمرسي طبعة ٢٠٠٥)، إلى حبيبتي أمريكا، على لسان مرسي موديل ٢٠١٣! البلد على كفّ عفريت؟ فليكن الضحك وسيلة للتوعية، وتعويذة لتفادي الهاوية. الاسكتش الذي قدّمه الاعلامي قبل أسبوع في «ألف نيله ونيله»، عن «الحرب الأهليّة، أو كيف تستعدّ لها؟»، جاء مضحكاً وفظيعاً، ليخاطب شعوباً عربيّة كثيرة غير المصريين في هذا «الربيع» الكابوسي… هل الاسكتش المشار إليه هو القشّة التي قصمت ظهر البعير؟ بعد أسابيع من الضغوط والشكاوى القضائيّة والتهديدات بحقّ يوسف، ارتكبت السلطة الإخوانيّة خطأ إضافيّاً، وإذا بها تجرّ النجم التلفزيوني إلى التحقيق كمجرم خطير. علماً أن «المطاردة» القانونيّة للاعلاميين بلغت خلال عهد مرسي، أربعة أضعاف ما شهدته مصر طوال حكم مبارك! عشيّة مثوله أمام النائب العام، نشر يوسف، صاحب المليون «فولورز» هذه التغريدة الهاذية: «يا جماعة أفضل ردّ على هذا الاعتداء السافر على الحريات، انكم تعملوا «أنفولو» لمُرسي، عشان أعدّيه في «الفولورز». يا له من رد مزلزل!».
إذا لم يبق إلا سلاح واحد في مواجهة «الشموليّة الإخونجيّة» التي تجسّد ذروة البؤس السياسي العربي، فهو الضحك. إسألوا هنري برغسون. في المستقبل ربّما سيكون على المواطن العربي، حين يذهب إلى صندوق الاقتراع، أن يختار ممثليه على أساس خفّة ظلّهم (بين معايير أخرى)، وطرافتهم، وقدرتهم على السخرية والضحك. في انتظار ذلك، ليس لنا سوى... باسم يوسف.
25 تعليق
التعليقات
-
حدا يذكر بيار ابي صعب بحادثةحدا يذكر بيار ابي صعب بحادثة ال LBC وتعليق البرنامج على السيد حسن نصرالله ... ولو ..هلة صارت حرية الراي بس بمصر ؟؟؟ ونحنا شو ؟؟؟؟
-
أستغرب أن تساند الأخبار باسمأستغرب أن تساند الأخبار باسم يوسف على الرغم من موقفه الصريح ضد الاستبداد الذي تدعمه. وحلقته عن الإعلام السوري الفذ لا تزال موجودة على يوتيوب. هذا ويعزي منحبكجية سوريا أنفسهم بمشاهدة برنامج باسم يوسف والضحك على مرسي، متناسين المثل الشهير عن الجمل الذي لا يرى حدبته.
-
ثمة خيار صحيح لا بد منهما يجب فعله، ترك التلهي بحفلات السخرية والضحك والهذيان والإستغراق في سرد النظريات العبثية التي لا تجدي بل تصرف عن اتباع الخيارات السليمة أو عن البحث عنها على الأقل.ما تعاني منه الشعوب ليس إلا بفعل تقاعسهم وإهمالهم وغفلتهم واتكاليتهم على الزعيم والملك والرئيس والوزير والمسؤول...وإلخ، وهذا ما يشكل أحد أهم الأسباب في التركيز على الموقع والكرسي ظنا منهم أن الرفاهية والسعادة يأتيان من ذلك. فلو افترضنا أن الذي تبوء سدة الحكم يتحمل المسؤولية عن الخراب والفساد الحاصلين، فإن ما ينفع هو البحث عن مقدار وحجم دوره فيهما.شبعنا شعارات وتأويلات وحكايات وفرمانات ونظريات وخزعبلات عن مسؤولية وواجبات الحكم وحقوق المواطن.المسألة ليست سوى أنه كم تملك من العلم والوعي تملك من سلطان الوصول إلى بلوغ حاجتك وليس كم تملك من النفوذ. الذين يتآمرون أو يهيمنون أو يملون عليك مباشرة أو بواسطة الزعيم أو القائد من تسبح بحمده وتهلل له وتعلق آمالك عليه، ليس إلا بزخم قوة أتت بفعل سعي وجهود قلة لا علاقة لهم بالسلطة ومواقع النفوذ، سوى أنهم يملكون كفاءات ومهارات مكنتهم من إنجاز وتحقيق عناصر القوة التي يستخدمها النافذون(لا فرق إن قبلوا أو رفضوا ذلك)كأوراق للهيمنة والتسلط...وإلخ. من أراد النجاة من شر الحاكم وخضوعه للمستكبر الذي يستعمله فيما يضرك، عليك اتباع سبيل الهدى، وهو أن تسعى لامتلاك القوة، وليس بحفلات الضحك والتنظير الفارغ.
-
هذا جون ستيوارت المصري و ذاكهذا جون ستيوارت المصري و ذاك ....... السوري و غداً يأتينا ..........العراقي لا نستطيع أن يكون لنا هويتنا الخاصة و أن يكتب مقال بلا هل الفذلكة
-
جون ستيوارت هو الحدوة للعرب ام لعله القدوة؟يا ريت حدا ينورنا ويخبرنا من هو جون ستيورات. لانه بدون فهم تلك المقارنة التي لم يوضح المقال وجه الشبه فيها فان القارئ او على الاقل هذا القارئ متل الاطرش بالزفة. لولولولوليش وان شا الله بيتهنوا مع اني اطرش بهالزفة وما سمعت ولا فهمت شي اللهم الا اذا كان المقصود هو جون ستيوارت ميل الفيلسوف البريطاني وصاحب الكتب عن الحرية والاقتصاد والمرأة والمنطق الخ، الخ... ولكن جون ستيوارت ميل مات من حوالي ١٥٠ سنة ولا يعرف عنه انه كان صاحب برنامج تلفزيوني كوميدي او سياسي او حتى نسائي. قيل والله اعلم. وما رأيكم لو قلنا ان جون ستيوارت، ايا يكن هذا الشخص، هو باسم يوسف الغرب؟ شي مرة خلينا نكون نحن القدوة لامم الارض لانه شبعنا وجودنا كحدوة للامم. http://www.youtube.com/watch?v=_Hgk8Kw9tzo
-
كلنا تضامننا مع باسم يوسف،كلنا تضامننا مع باسم يوسف، عتبي على جريدتكم الكريمة انها لم تتضامن مع اعلاميي سوريا الذين قتلوا وقطعت رؤوسهم على ايدي جيش لحد السوري.
-
نظرة أعمقأنا لاأعلم كم يتابع الكاتب الكريم ما يحدث في مصر على مستوى الاعلام والصحافة ولكن بالتأكيد ما كتبه يعبر عن جزء صغير من صورة أكبر. باسم يوسف قدم برنامجه في السنتين الماضيتين بديكور بسيط وكان يسخر من الجميع في مصر من اعلام الى صحافة الى سياسيين اخوان وغيرهم الى العسكر ببساطة الجميع واليوتيوب خير شاهد. هذه السنة باسم انتقل الى قناة أخرى قدمت له امكانات انتاج ضخمة و أصبح لا يتكلم الا عن الاخوان وكأنهم هم الوحيدون اللذين يعملون في المشهد السياسي المصري وهم الوحيدون اللذين يخطأون. كل ملاك القنوات في مصر هم رجال أعمال اغتنوا و أثروا في عهد حسني مبارك وقاموا باعادة تدوير كل اعلاميي فترة مبارك في هذه القنوات بعد الثورة وهم يشنون منذ أنتخابات مجلس الشعب الماضي أبشع عملية تلطيخ ضد الأخوان المسلمين. هذه القنوات خسائرها السنوية بمليارات الجنيهات. هل يدفعها رجال الأعمال لوجه الله أم للدفاع عن مصالح؟ تلطيخ السمعة ليس حرية تعبير واللجوء للقضاء في مواجهة ذلك هو سبيل أي انسان لأخذ حقه مع اعتراضي على فكرة السجن. القانون في هذه الحالات يجب أن يعدل والسجن يجب أن يستبدل بعقوبات مالية ضخمة تحديدا حين يكون ما قيل باسم حرية التعبير هو عبارة عن كذب بواح. بكل بساطة استاذ بيار حين يوجد زميل في عملك خفيف الظل وناقد لاذع مع كل من في عملك شيء وحين يكون فقط خفيف الظل معك فقط شيء أخر. هذا ليس عداء مع الضحك هذا رفض للاهانة. سلام.
-
مصري وما بحب الضحك!!!!متأسلم وما بحب الضحك، فهمنا. بس مصري ما بحب الضحك هيدي ما بتتصدّق إلا إذا بطّل المتأسلم يكون مصري !!!!
-
الدكتور باسم وزوجته صحيح الدكتور باسم يشعر بألم الحرب وما يسمونه الحرب الأهلية فهو يعيش هذا الألم مع ما تدخل به سورية لأن زوجته سورية الدكتورة هالة دياب اللتي كتبت المسلسل المهعم ( ما ملكت أيمانكم ) وأخرجه المخرج الرائع نجدت أنزور وكان مسلسل يتطرق لبوادر التعصب اللذي دخل بسوريا ومصر وعندنا بلبنان عشناها بالنهر البارد وكان مهم جداً ان تبدأ المعالجة والتشريح اللذي يفعله الدكتور الجراح باسم يوسف كما وصف بمقابلة أهمية تشريح الحالة وهو بذكائه يُضحكنا لكنه بالفعل هو وزوجته يعالجون مرض كبير دخل بلادنا
-
بلشنا بالتشبيهات الغربيةيعني ضروري التشبيه بشخصيات غربية ,, ما فيه يكون باسم يوسف المصري مثلاً !!؟؟