يبتعد جو قديح كثيراً عن «المسرحي» التقليدي. خريج الجامعة اليسوعية الذي يقول بأنه نسي كل ما تعلّمه في الجامعة وبدأ من الصفر حين بدأ العمل في المسرح، يجيد رياضات القتال ويهتم بها كثيراً (يحمل حزاماً أسود في رياضتي الإيكيدو اليابانية والجوجيتسو البرازيلية). لكن هذا لا يعني أن الرجل لا يحب المسرح، ولا يعشقه. أن تفرغ تقريباً أكثر من ثلثي نهارك تتحدث وتعمل في المسرح، فهذا لا يعني إلا أمراً واحداً: أنت عاشقٌ للمسرح، لا مسرحي فقط. يعمل جو حالياً على مسرحيته الجديدة «غرام أو انتقام» المقتبسة عن إحدى كلاسيكيات الأدب الفرنسي أي رواية «العلاقات الخطرة» (1782) لكاتبها بيار شودرلو دو لاكلو. يفرّغ لها كل طاقته (يتدرب يومياً منذ أكثر من أربعة أشهر كاملة) بعدما «لبنن» النص ليجسّده على الخشبة ممثلاً رئيساً ومخرجاً بدءاً من اليوم في «مسرح الجميزة» الذي رممه جو وجعله «محترفه» الخاص بكل ما للكلمة من معنى.
يخوض جو هذه المرّة تجربةً جديدة من خلال إضافة خمسة أبطالٍ في مسرحيته، فلماذا يبتعد أحد «أساتذة» المسرح «الفردي» (خصوصاً أنّ أغلب مسرحياته السابقة كانت فردية إلى حدٍ ما («حياة الجغل صعبة»، و«أنا»، و«فيلم سينما»، و«لو جوكون»، و«الأشرفية»). يجيبنا: «بصراحة، اشتقت للعمل في هذا النوع من المسرح. أردت أن أخرج هذه المسرحية إلى النور حين كتبتها للمرة الأولى قبل سنوات، أضف إلى ذلك أنّها ببساطة أول عملٍ مسرحي أديته في حياتي أثناء دراستي الجامعية في صف ميرنا مكرزل (عام 1993)، وأديتها آنذاك بالفرنسية فيما نؤديها اليوم بالعربية. منذ تلك اللحظة، وأنا أنوي إعادة هذا العمل إلى الواجهة". ماذا عن العمل الأصلي إذاً؟ هل سيعرض جو قديح العمل كما هو؟ أم أنه سيغّير في طبيعته الأصلية ويضيف إليه شيئاً شخصياً منه؟ «لدي أكثر من خمسة مصادر أخرى استوحيت منها كي أقدّم هذه المسرحية. هذه المصادر هي شعر ونثر ورسائل ونصوص أدبية، فضلاً عن النص الأصلي للمسرحية، غصت في كل هذه الأمور. أنا أحب البحث كثيراً قبل الدخول إلى العمل، بعد ذلك ندخل إلى صناعة الشخصيات. وهنا يختلف العمل تماماً. أبدأ بالكتابة دامجاً إياها مع الرؤية الإخراجية، ولا أخفي سراً أنني سألجأ في هذه المسرحية إلى لعبة «المسرح داخل المسرح»».
اعتمد في عرضه لعبة «المسرح داخل المسرح»

في الإطار عينه، يعرف من قرأ «العلاقات الخطرة» بأنه أمام نصٍ جريء، فكيف سيقدّم ذلك أو سيتعامل معه على الأقل: «أنا ما ببيع سيكس» يجيب بسرعة، مضيفاً: «لا يعنيني عدد الحضور أبداً، بالتأكيد يهمني نجاح العمل، وأن يأتي أناسٌ يحبون مشاهدة المسرح، لا أولئك الذين سيأتون لمشاهدة السيقان وسواها، أنا أعرف أن مسرحيتي جريئة، لكن الجرأة مدروسة، فأنا أرفض أن أستعمل الجمهور بشكل رجعي، فالجمهور أرقى بكثير مما يحاول كثيرون وضعه به». ويوضح: «أنا حتى لا أقبل بالمسبات في مسرحي. لا أحبها، ولا أحبّذها أبداً، لا أريد أن أخدش أذن أحد من حضوري». ماذا عن الخروج عن النص والارتجال؟ يجيب بسرعة: «أنا أوقات بقاتل على الفاصلة»، لكن ذلك لا يمنعه من القبول بـ «خروج الممثلين المبدعين أو الـ method actors، كما يعتبر أنّ «الارتجال هو موت الممثل». ويشير إلى جملةٍ علّمه إياها المسرحي التونسي المعروف الفاضل الجعايبي هي «اخدم وخدّم»، أي أنه ينبغي للممثل أنَّ يسمع ويؤدي، لا أن يؤدي فقط من دون أن يستمع لمخرجه أو النص بين يديه.
ماذا عن زملائه في العمل؟ كيف اختارهم وهو الدقيق في اختياراته، خصوصاً أن من يعمل وحيداً يفضّل عادة أبطالاً «وحوشاً» على المسرح؟ «في الحقيقة، أنا لدي فريق رائع للغاية للعمل معه. برناديت حديب ممثلة قديرة، ومتطورة، وذات طاقة غير عادية، وحضور قوي، وأحب العمل معها كثيراً. عدا كونها «شرسة» على المسرح، فحركتها الجسمانية انسيابية جداً، وهي مرتاحة مع جسدها مسرحياً، وأنا منذ أن شاهدتها في مسرحيتي «جنينة الصنايع» و«الجيب السري» لسهام ناصر، رغبت في العمل معها. كنت بحاجة لممثلة قوية، ومن اللحظة التي فكرت فيها بهذا الدور، وجدت أنّ برناديت هي الأصلح له. برونو طبال من جهته أعتبره أخاً أكثر من مجرد ممثل، ونحن نعرف بعضنا منذ أيام الجامعة، وعملنا معاً في مسرحية «الشر الأوسط»، وهذا الدور الذي يؤديه برونو في المسرحية طورته كي يوائمه ويتناسب مع أدائه، فأصبح هو الراوي والمؤرخ في آن. أما سولانج تراك، فممثلة موهوبة وذات قدرات متميزة، وستؤدي دوراً صعباً، لكنها قادرة على ذلك، فنحن عملنا معاً وقتاً طويلاً كي تعطي المسرحية أفضل ما عندها. سولانج لديها أداء فطري، كما أنّها «جائعة» للمسرح. أما مفاجأة العمل، فستكون باتريسيا سميرة (23 عاماً) وهي تلميذة مسرح من الجامعة اللبنانية، وأعتقد أن الجميع سيحبّها، لأنّها موهوبة بدرجة كبيرة وأعتقد أنّها "رح تفرقع بالمسرحية"».

«غرام أو انتقام»» بدءاً من اليوم 20:00 حتى 27 آذار (مارس) المقبل ــ «مسرح الجميزة» ـ للاستعلام: 76/409109