وكأن الأزمة تنتهي بمجرد إنكار وجودها إعلاميّاً مهما تفاقمت. مقال ينطلق من خشية على مستقبل صرح ثقافي عريق، فيوصف بأنه شائعات وأكاذيب، كأن صرخة تطالب بالحفاظ على إرث مهم في الإعلام اللبناني، هو الخطر الذي يهدد «دار الصياد»، وليس الممارسات الكيديّة لرئاسة التحرير الجديدة التي تكاد تقضي على مؤسسة لها بصمتها في الحياة الثقافيّة والفنيّة في لبنان والعالم العربي منذ سبعين عاماً (1943 هو تاريخ تأسيس الدار).
ليس تحاملاً على مجلة «الشبكة» أكثر المطبوعات تضرّراً في الدار، بل حرصاً عليها وعلى أسماء تعتبر من أركان الصحافة اللبنانيّة، لأنّ التخلي عنها لا يدخل في إطار الـ Relooking، بل يوضع في خانة قلّة الوفاء لمن ساهموا في تأسيسها. كما أن إزالة أسماء المحرّرين عن موضوعاتهم ومقابلاتهم، وإعفاء مدير التحرير طوني خوري من مهامه وتحويله إلى سكرتير، هو مشكلة حقيقيّة لأن المجلة تتخلّى عن هويتها وتتيح للقيمين عليها الاستغناء عن أي اسماء مهما كان حجمها. أخيراً، خرج مدير التحرير (السابق) طوني خوري عن صمته لينفي الخبر، علماً أنه أحد المتضررين من التغييرات في المجلة، إذ تحوّل إلى سكرتير، وبات ضيف شرف على مكتبه في المجلة الذي كان لا يغيب عنه. ولعل ما منعه من مغادرة المجلة هو الخوف على مصدر رزقه ورزق عياله. أما متضرّرون آخرون، فيمتنعون عن الكلام «لأننا لا نريد أن نرمي حجراً في بئر شربنا منه». هذا الشهر أيضاً، تأخر دفع الرواتب للموظفين، وفوجئ هؤلاء بقبض نصف راتب فقط. ومع ذلك رضخوا للأمر الواقع ولا أحد منهم يتكلّم عن المشكلة، لأن بعضهم أمضى عمراً في الدار، ويخشى أن يجد نفسه في الشارع إذا ترك وظيفته التي تكفل وجود إسمه في الضمان الاجتماعي. وفيما يلجأ المعنيون إلى نفي وجود أزمة، علمت «الأخبار» أن بعض المندوبين في المناطق اللبنانيّة الذين كانت «دار الصياد» تتعامل معهم في مطبوعاتها تم الاستغناء عنهم نهائيّاً. وكان أحد العاملين السابقين في الدار، تقدم بدعوى على الدار بسبب الغبن واقتطاع الراتب، فتدخل القائمون على الدار وتوصلوا إلى صيغة، فكان الحكم في غير صالحه. كما يتذمّر من بقي من الموظفين من عدم تسديد بدل المرآب الذي وعدوا به بأن يضاف على الراتب، فإذا بهم يفاجأون بنصف راتب فقط. أكثر من ذلك، فوجئ بعض الموظفين والمتعاملين، عندما أرسل بطلبهم لتقاضي مستحقاتهم، بأنها أقل من المتفق عليه بكثير. من هنا، يتجه بعض الموظفين والمتعاملين إلى القيام بما يشبه «الانتفاضة»، بسبب الغبن الذي لحق بهم. وقد رفض بعضهم التوقيع على استلام أجر مجتزأ بعد رفض الادارة تذييل توقيعهم بعبارة «مع التحفظ»، كما ينوي بعضهم رفع دعاوى قضائيّة، اذا استمرت هذه السياسة، خصوصاً أن الإدارة أقفلت بابها في وجه الموظفين. وعلق أحد رؤساء التحرير في المؤسسة، قائلاً أن «دار الصياد» «باتت للشبيحة وليس للمحررين، وتساءل عن سبب إصرار ادعاء أصحاب الدار الفقر والافلاس».
وإذا كان الكاتب الياس حداد قدم استقالته ولم يعد يكتب صفحته الأسبوعية «عالصنارة»، فإن «حميدو والقراء» (وهو الاسم المستعار لحداد)، حافظ على مكانه. لكن الصفحة باتت تختار من أرشيف الأعداد السابقة، ولم تعد تحمل ردوداً جديدة من حميدو. ورغم غيابه عن المجلة منذ أكثر من شهر، ما زال الرجل يأمل أن يتلقى اتصالاً من الدار وإعادته إلى موقعه. يستغرب ما قيل بأنّ استقالته هي لأسباب خاصة، ليصحح بأنّ «الأسباب هي خاصة فعلاً، لكن ليس بي أنا بل بهيئة التحرير الجديدة»، ويستدرك أن «علاقتي بـ «دار الصيّاد»، لم تتأثر». أما الشاعر والإعلامي عبد الغني طليس، فعاد ليكتب «بيني وبينكم» أسبوعيّاً، ويؤكد أنه توصل إلى اتفاق على الحفاظ على هذه الصفحة. ويشدد على «أنني لم أكن مرتاحاً بسبب أسلوب التعاطي أخيراً، لكن المجلة أرادت الدخول في تجربة جديدة». قبل ذلك، كانت الصحافية ماغي سفر أول من رفع صوته وقرر الاستقالة في أيار (مايو) الماضي، إذ ذكرت في بيان صحافي «أنني لم أعد قادرة على البقاء أسيرة احلام باتت رقعة مساحتها تضيق عليّ شيئاً فشيئاً». وكانت سفر أول من لحقها الحسم من الراتب، وكان اعتراضها بتقديم الاستقالة بعد 24 سنة أمضتها في المؤسسة.