المسرح اللبناني بخير، ما دامت هناك تجارب شبابية ناجحة تقدم على خشباته. في يوم المسرح العالمي، العام الفائت، اجتمع مسرحيون شباب ومخضرمون على خشبة «مسرح المدينة» في تظاهرة فنية رفضاً لإغلاق «مسرح بيروت». لا تزال أبواب الأخير مغلقة، لكن التحرك نجح في إبعاد خطر الهدم عنه. أما منذ 2012 حتى اليوم، فقد شهدت خشبات المسارح الباقية عروضاً عدة، ومنها الجيدة جداً. من أهم المحطات هذه السنة كانت أعمال فرقة «زقاق» المسرحية.
جالت الفرقة على عدد كبير من المدن والقرى اللبنانية، حيث قدّمت «مشرح وطني»، وهو عمل مسرحي اجتماعي تفاعلي تناول تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية. وضمن فعاليات «مهرجان هنريك إبسن»، قدّمت الفرقة في «مونو» عملها «إليُسانة، تدريب على الطاعة» (إخراج جنيد سري الدين). العمل مقتبس عن نص إبسن «الإمبرطور والجليلي» في قالب إخراجي ودراماتورجي مجدد. وأخيراً، أطلقت الفرقة مشروع «أرصفة زقاق» الممتد على السنة. وبعيداً عن الخشبة، كان «هذا البحر لي» لتانيا الخوري من العروض المميزة هذه السنة. على متن زورق في وسط بحر بيروت، قادتنا «مجموعة الدكتافون» في رحلة على الأملاك البحرية، والتعديات عليها. أما من الفرق الأخرى الناشطة على الساحة اللبنانية، فنذكر «مجموعة كهربا» التي قدّمت نسخة ناجحة هذه السنة من «نحن والقمر والجيران» على درج الـ«فاندوم». أما كارول عبود فقدمت في «بابل» أول عمل إخراجي لها بعنوان «ميديا». وكممثلة، قدمت نص «أربع ساعات في شاتيلا» للمخرج الفرنسي ستيفان أوليفيه بيسون. فيما قدّمت لينا أبيض «حبيبتي رجعي عالتخت» الذي نقل تفاصيل ليلة زوجية بحميميتها، وانعكاساتها على أيّ زوجين. ومن العروض المميزة التي اختتمت بها السنة، كان «٨٠ درجة» لعليّة الخالدي على مسرح «بابل» مع لينا أبيض ورائدة طه وفائق حميصي. عرض اجتماعيّ نقلنا إلى داخل تفاصيل حياة أسرة تحوّلَ بيتها إلى عالمها الوحيد وعلاقة أعضائها الثلاثة إلى علاقة وجودية. أما التجربة الفريدة لهذه السنة، فكانت عودة الممثل والمخرج منذر بعلبكي إلى المسرح، ليطرح أسئلة كثيرة حول المسرح وفن الأداء، وموقع الممثل والجمهور من العملية المسرحية في عرض «حركة العين السريعة» الذي قدم في فضاء «أشكال ألوان»، من دون أن ننسى عودة المسرحي الكبير ريمون جبارة في «مقتل إنّ وأخواتها» الذي قدّم في «مونو». هذا بعض ما يحدث على خشبات المسرح اللبناني وحوله فيما تستعد كلية الفنون في الجامعة اللبنانية اليوم للاحتفال بيوم المسرح من خلال سلسلة عروض سينمائية وشعرية ومسرحية يقدمها الطلاب. إذاً، المسرح في لبنان بخير، ما دام هناك فنانون مؤمنون بالمسرح، وجمهور مرافق لتجاربهم. لكن ربما لا تزال تنقصنا عروض راديكالية أكثر في الشكل الفنيّ كما في الطرح، وفي إثارتها لنقاشات تطاول حاضرنا ومستقبلنا، وخصوصاً في تلك المرحلة الحذرة من مستقبل المنطقة. بهذه الطريقة وحدها، يستعيد المسرح دوره الرائد في الحياة الثقافية وطرح النقاشات والأسئلة المحرّمة.