في فيلمهما الوثائقي الطويل الأول «٧٤ ــ إستعادة نضال»، يعود رانيا ورائد الرافعي إلى لبنان السبعينيات الذي كان مفعماً بالنضالات، علهما يجدان في التاريخ أملاً في التغيير. إنّه عام ١٩٧٤، عشية الحرب الأهلية، حيث لبنان يعيش غلياناً سياسياً وأمنياً وفكرياً، والتظاهرات الطلابية تعمّ البلاد. في «الجامعة الأميركية في بيروت»، واحتجاجاً على قرار رفع رسوم التسجيل، اندلعت إضرابات واحتجاجات تطورت إلى احتلال الجامعة من قبل الطلاب لمدة ٣٧ يوماً بين آذار (مارس) ونيسان (أبريل) ١٩٧٤.
إختار المخرجان بناء شريطهما الذي عُرض ضمن «أيام بيروت السينمائية»، حول إعادة سرد هذه الحادثة في عمل يمزج بين الأسلوب الوثائقي والسردي. حددا زاوية تغطية الحادثة في مكتب مدير الجامعة المحتل من قبل الطلبة، بينما يمتد زمن الفيلم ليغطّي الأيام التي دامت فيها الحادثة. هكذا، نتابع ما جرى من غرفة واحدة. لا تخرج الكاميرا إلى مباني الجامعة الأخرى، ولا إلى التظاهرات في الشوارع، بل نعلم بجميع الأحداث على لسان أعضاء مجلس الطلبة. ومعهم نشهد اجتماعات اتخاذ القرارات، ومناقشة خطط التظاهرات. كما نمضي معهم اللحظات الشخصية، وسهرات المغنى والتسلية، والخوف والتردد. حصر شخصيات الفيلم ومكانه ليس المداخلة الوحيدة التي أجراها المخرجان. بدلاً من اللجوء إلى مواد الأرشيف المصوّرة لإحتلال الجامعة، وإجراء المقابلات مع الأفراد الذين شاركوا في تلك الحادثة، قرّرا إعادة تمثيل الواقعة. اختارا العمل مع ناشطين شباب لإعادة تشكيل مجلس الطلبة. ورغم المحافظة على الإطار العام، والحوادث الرئيسة بتاريخها الحقيقي، إلا أنّهما فتحا مجالاً للممثلين في إرتجال الحوارات والنقاشات، ما أضفى بعداً سردياً على الفيلم. هكذا بدلاً من التقيد بسرد الوقائع الحقيقية بتفاصيلها كما يحدث في الأفلام الوثائقية، إختارا أن يقدما قصة نضال تلاميذ الجامعة الأميركية في قالب معاصر. فتحا مجالاً للممثلين ليعكسوا وجهة نظرهم المعاصرة حول أمور لم تتغير منذ السبعينيات. ورغم أن مشاهد النقاشات كانت ضعيفة في فحواها وإيقاعها البطيء، إلا أنّها إستطاعت أن تعكس تباين الأفكار والديناميكية الحيّة بين أعضاء مجلس الطلبة القائد لعملية الإحتلال. أما المشاهد الأقوى، فتبقى في الخيار الفني الذي إتبعه المخرجان طوال الفيلم وتمثَّل في فصل كل شخصية على حدة من وقت إلى آخر، ومواجهتها بالكاميرا وأسئلة المخرجين. لحظات أضفت بعداً بريختياً على الفيلم، وأسهمت في دعوة المشاهد إلى الإقتراب من الشخصيات، والتماس دوافعها وكيفية تشخيصها لكل ما يحدث حولها. يختم الفيلم على الليلة الـ ٣٧ التي شهدت دخول الجيش اللبناني إلى داخل حرم الجامعة، وإعتقال عدد كبير من الطلاب وضربهم. وصمة عار في تاريخ علاقة الدولة اللبنانية بالإحتجاجات الطلابية.