تونس | رأى المفكر التونسي محمد الطالبي (1921) أنّ الحكومة الجديدة تعيد إنتاج سلوك النظام السابق في التضييق على الجمعيات، متهماً حركة «النهضة» بالتأسيس للفاشية الدينية. موقف المؤرخ المتخصص في الحضارة العربية الاسلامية، الذي عارض نظام بن علي، وكان من أبرز الناشطين ضد الديكتاتورية، وتحمّل الكثير من الضيم، جاء بعدما رفض الكاتب العام للحكومة منح رخصة العمل القانوني للجمعية الجديدة التي ينوي الطالبي تأسيسها باسم «الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين»، ومن أهدافها مقاومة التكفير، ونشر ثقافة التنوير والتحديث والعقلانية، والدفاع عن مدنية الدولة.
وقال الطالبي في تصريح لإذاعة «موزاييك» إنّ الحكومة رفضت منح جمعيته رخصة العمل القانوني، بينما تتغاضى عن نشاط مئات الجمعيات التي تدعو إلى العنف وتهدد مكاسب المجتمع والسلم الأهلي مثل الجمعيات السلفية التي تدعو الى التكفير والقتل و«رابطات حماية الثورة». وقال إنّ الكاتب العام للحكومة طلب منه تغيير بعض الاهداف من بينها منع التكفير!
وكان الحصول على رخصة العمل القانوني لأي جمعية يجري عبر وزارة الداخلية، التي كانت تخضع طالبي الرخصة لتدقيق أمني. قبل «14 يناير»، كان شبه مستحيل أن يحصل المعارضون أو المتعاطفون معهم على رخصة تأسيس جمعية مهما كانت أهدافها، لكنّ الثورة حرّرت الحصول على رخصة لتأسيس جمعية من الإجراءات الصارمة، وحولتها الى الكتابة العامة للحكومة، لكن يبدو أنّه بعد هذه الحادثة، عادت الصرامة من جديد بوجهة دينية هذه المرة! ووجه الطالبي رسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي، الذي ناضل معه طويلاً ضد نظام بن علي، وجاء في رسالته: «لقد عرفتكم رئيساً لجمعية تناضل من أجل حرية التفكير والتعبير في تونس وكنت الى جانبكم، واليوم دولتكم تمنعني من أبسط حرية تعبير كما كان شأني أيام بن علي، فما الذي تغير؟».
واشتهر محمد الطالبي بانتقاده الشديد لحركة «النهضة» والحركات الاسلامية، التي اعتبرها حركات وهابية لا تؤمن بالاختلاف ولا التعددية وتملك فهماً مغلوطاً وخاطئاً للإسلام، الذي يقول إنّه «دين يكفل حرية التعبير والاختلاف». ورأى الطالبي في مقالات سابقة أنّ زعيم «النهضة» راشد الغنوشي وهابي وكل ما يقوله عن الديمقراطية والدولة المدنية ليس صحيحاً، بل مجرد ترويج وتسويق إعلامي لا أكثر.
قضية امتناع الكتابة العامة للحكومة عن منح رخصة للجمعية أثارت ردود فعل كبيرة في الوسط الثقافي والإعلامي والسياسي، واعتُبر الأمر مؤشراً إلى عودة البلاد إلى نظام بن علي الذي ضيّق الخناق على الجمعيات. هذه الضجة دفعت الكتابة العامة للحكومة الى الخروج عن صمتها، وإصدار بيان اعتبرت فيه أنّ تصريحات الطالبي «مجانبة للحقيقة»، وأنّ «الادارة لم تبد بعد رأيها في موضوع التصريح القانوني للجمعية وهي ملتزمة مبدئياً وفعلياً الحياد التام في ما يتعلق بملف الجمعيات». ورأت أنّ الجمعيات لم تعد تخضع للترخيص، بل للتصريح فقط، كما أنّ الكتابة العامة أثارت مع ممثلي الجمعية نقاشاً حول الفصل الرابع من مشروع النظام الاساسي، لأنّه يطرح إشكالاً قانونياً يتعلّق بالمرسوم ٨٨، الذي ينص على أنّه يشترط في كل عضو من أعضاء الجمعية «أن يكون مسلماً ملتزماً بكتاب الله وبما وافقه من سنة رسوله عاملاً بالواجبات الدينية وملتزما بنظامها الاساسي». ويعدّ محمد الطالبي من مؤسسي «الجامعة التونسية»، وهو شخصية علمية مرموقة كان من أوائل الذين عارضوا بن علي. وبعد «ثورة ١٤ يناير»، تولّى رئاسة «أكاديمية بيت الحكمة» قبل أن يقال منها. وبعد الانتخابات التي قادت حركة «النهضة» الى الحكم، أعرب الطالبي عن مخاوفه من الفاشية الدينية التي يعد لها الغنوشي، والتحق أخيراً بحزب «نداء تونس»، أقوى أحزاب المعارضة على الساحة.